يسأل بعض القراء عن إصراري على جملة «لمصلحة المواطن والوطن»، ولماذا أضع المواطن قبل الوطن، وهل هي «أي الجملة» خطأ غير مقصود، أم أنها مقصودة؟ وإن كانت كذلك لماذا تشذ عن القاعدة، وتقدم المواطن عن الوطن، فيما الغالبية يضعون الوطن أولا .. الوطن دائما؟ ومع احترامي لكل القراء الذين كتبوا لي عن هذه الجملة، ومعهم كل الكتاب الذين يرددون جملة «الوطن أولا»، إلا أني أخالفهم هذا التوجه، وأرى أن المواطن / الإنسان أهم من كل شيء. فالمواطن وإن كان وعلى مستوى الرياضيات يعد رقما صغيرا في التعداد السكاني، أي هو وعلى مستوى الوطن واحد مقابل أكثر من 20 مليونا، إلا أنه مهم جدا، ومتحكم جدا بقيمة الأوطان في العالم بأكمله، ومتحكم بقوة أي وطن على المستوى الإقليمي، والمستوى العالمي، وكلما تحققت العدالة للنسبة الأكبر من المواطنين، زادت قوة الوطن كيف يحدث هذا؟ لنحضر «الولاياتالمتحدةالأمريكية» مثالا كدلالة على ما أذهب إليه، أو ما يجعلني أقدم المواطن على الوطن، فأمريكا كلنا يعرف أنها الأقوى على مستوى العالم، وهي متحكمة وإن لم يكن بالمطلق بقرارات كل دول العالم، ويحسب لها كل دول العالم حسابا حين يتخذون قرارا كقرار «الحرب ضد دولة أخرى»، وإن كانت الدولة التي يراد شن حرب عليها مرضيا عليها عند أمريكا، ستعيد تلك الدولة حساباتها قبل أن تعلن الحرب، وستلتقي بسفير أمريكا وتجس النبض قبل إعلان الحرب، حتى لا تغضب أقوى دولة في العالم . هذه الدولة اكتسبت قوتها من قيمة المواطن لديها، فحين حققت الدولة أو المجتمع العدل للمواطن، أصبح «غالبية» المواطنين يعملون بجد ومثابرة في كل المجالات، مما جعل أمريكا أو الوطن قويا. ولولا هذا لما أصبحت أمريكا بهذه القوة، ومن يريد منافستها بالقوة والسيطرة، يجب عليه أن يحقق العدل للمواطن، فالمواطن وحده قادر على جعل الدول والحكومات قوية حين يعيش في مجتمع قائم على العدل، ووحده أيضا يجعل الدول أو الوطن ضعيفا، حين تسلب حقوقه، فهو وإن لم يمتلك القوة ليعبر عن غضبه وعدم رضاه بسبب ضعفه وخوفه من الديكتاتورية، إلا أنه يمارس المعارضة السلبية، والمتمثلة في عدم الإنتاج أو العمل، كعقاب لمن لم يمنحه حريته وحقوقه، فيضعف الوطن. لهذا قدمت المواطن على الوطن، لأن قيمة الوطن من قيمة المواطن. وبهذه الرؤية الخاصة جدا أقول دائما: المواطن أولا .. المواطن دائما، لأنه لا قيمة للأوطان إن لم يكن هناك قيمة للمواطن، مع احترامي للقراء الذين لم تعجبهم جملة أن المواطن أولا، مع احترامي لكل الكتاب الذين يقدمون الوطن على المواطن، لأن الأوطان لا قيمة لها إن لم يكن لمواطنها قيمة.