لا يمكن الكلام عن "الإصلاح السياسي" في العالم العربي بدون التطرق إلى "الإسلاميين".. إذ يظل "مشروع الإصلاح" سواء كان بضغوط دولية أو لحاجات حقوقية داخلية، مشروعاً نقلته علاقة "الإسلاميين بالدولة" من جهة وعلاقتهم ب"المجتمع الدولي" من جهة أخرى، من ملف "مؤجل" إلى قضية "ملحة" وعاجلة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية، وإحساس العالم الغربي بمسؤوليته التضامنية عنها، لتجاهله لعقود طويلة مضت، أن الحركات الاحتجاجية الإسلامية "المقاتلة" و"العابرة للحدود"، ربما كانت نتيجة سكوته عن غياب "الديمقراطية" عن البيئات السياسية "الصديقة" له في العالم العربي. فأي إصلاح سياسي، لا يكون الإسلاميون طرفاً فيه، ربما يمسي مجهوداً في "البيئة الخطأ"، أو على أقل تقدير لن يكون مشروعاً آمناً يعصم المجتمع من الدخول في دوامة العنف الدامي مجدداً، والمشكلة أن الطرفين المعنيين بالإصلاح: الإسلاميون والدولة، وبفعل تراث "المحنة" وتاريخ المواجهات الدموية، يقفان عند مسافات بعيدة من بؤرة الملف.. فكلاهما يتوجس من الآخر ولا يأمن مفاجآته؛ إذ تكتفي الأخيرة بالحوار المفضي إلى "المراجعات" التي تنهي الحروب الداخلية، فيما تتحسس الأولى بعد الخروج من المعتقلات من الكلام العلني في مسألة الإصلاح باعتباره قد يستفز الأجهزة الأمنية، وبين هذه وتلك يظل "الإصلاح" موضوعاً ل"ثرثرة" النخب العلمانية واليسارية؛ أي في "الفراغ" الذي لا يثمر "ميثاقاً وطنياً" يكون الطرف المستهدف منه "الإسلاميون" شريكاً في التوقيع عليه. صحيح أن المسألة ربما ترجع إلى أن تسوية ملفات المعتقلين الإسلاميين بشكل نهائي لم تُنجز بعد في عدد من الدول التي كانت مسرحاً للمواجهات بين الدولة والجماعات الإسلامية المقاتلة، ولعل ذلك ما يجعل الإسلاميين حتى اللحظة "ملفاً أمنياً"، يستعصي بتعقيداته على أن يكون "ملفاً سياسياً" بسهولة، وهو "الشرط" الذي يتيح للنشطاء الإسلاميين أن يكونوا طرفاً في أي تسوية سياسية كبيرة، وعلى رأسها ما يُسمّى ب"الإصلاح الديمقراطي" واستحقاقاته السياسية. في بعض الدول المشغولة بعملية "نقل السلطة" يُحجم الإسلاميون عن مشاركة النخبة والمجتمع السياسي في مناقشة القضية، بل إن بعضهم يعتبر ذلك توريطاً لهم في مواجهة السلطة مجدداً، قياساً إلى بعض التجارب حين ورّط اليسار المتطرف في بعض الدول العربية إسلاميين في عمليات اغتيال سياسي كبيرة، بالتحريض وبتقديم "مسوّغات أخلاقية" بصفتها تصفية "مشروعة" ل"الخونة".. وهي العمليات التي انتهت بهزيمة الإسلاميين عسكرياً "بالاعتقالات والتصفية خارج القانون" وأيديولوجياً ب"المراجعات" التي قدموها بعد أن أنهكتهم "الزنازين" الباردة والمظلمة. ويبدو لي أن المسؤولية الكبرى ربما تقع على الدولة، فهي على الرغم من المراجعات غير مطمئنة بشكل كافٍ، إزاء نوايا الحركات الاحتجاجية الإسلامية في نسختها الجهادية، وتخليها عن "العسكرة" كإستراتيجية ثابتة ومستقرة، وليس تكتيكياً، ومرحلياً نزولاً عن مقتضى "الاستضعاف"، ما يجعلها تؤجل السماح لهم بمشاطرة المجتمع المدني أنشطته السياسية والاشتباك مع ملفات وقضايا الرأي العام. وفي تقديري أن ملف الإصلاح في العالم العربي، سيظل "معلقاً"، طالما ظل هذا الوضع يراوح مكانه، مستسلماً لهواجس الماضي الدامي، بدون خطوات جريئة وجسورة تجعل من الإسلاميين في قلب "الحدث"، وليس على أطرافه يكتفون بالمشاهدة وحسب [email protected]