أعلنت مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، الإفراج عن عشرات السجناء الإسلاميين في ليبيا، في خطوة جديدة تؤكد نية السلطات طي هذا الملف. وجاء إعلان الإفراج عن السجناء الذين ينتمون إلى «الجماعة الإسلامية المقاتلة» وجماعات «جهادية» أخرى، بعد أيام فقط من ترشيح سيف الإسلام القذافي لتولي منصب رفيع في الدولة، في خطوة تُعزز موقعه في هرم السلطة. وهو يأتي أيضاً بعد أسابيع من إعلان قيادة «المقاتلة» في السجون الليبية «دراسات تصحيحية» شملت مراجعات لخطئها في انتهاج العنف لقلب نظام الحكم وانتقادات لجماعات مسلحة أخرى تقوم بأعمال عنف وقتل في شكل عشوائي باسم «الجهاد» في إشارة إلى تنظيم «القاعدة» وجماعات أخرى مرتبطة بهذا التنظيم على ما يبدو. وصدر الإعلان عن إطلاق السجناء في بيان مشترك لجمعية حقوق الإنسان في مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية ونقابة محامي طرابلس والمركز الوطني لحقوق الإنسان ولجنة المحامين الشباب في المنظمة الوطنية للشباب واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، وأرسلت مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية نسخة منه إلى «الحياة». وجاء في البيان أن هذه المنظمات الحقوقية «تتابع باهتمام بالغ نتائج مبادرات الحوار التي تقودها مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية وبإشراف من رئيسها السيد سيف الإسلام القذافي» و«يهمها أن تبدي ارتياحها لما أطلقته الجماعة الليبية المقاتلة من دراسات تصحيحية حول مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس والتي أكدت توجهات المؤسسة ورئيسها في شأن نبذ العنف وتفعيل الحوار الوطني». ورحّب البيان أيضاً ب «ما تحقق من نجاح في الإفراج عن 45 عنصراً من أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة، بالإضافة إلى 43 عنصراً من المنتمين إلى جماعات «جهادية» مختلفة، وهو ما يسجّل تواصلاً لجهود المؤسسة التي نجحت في إطلاق ما يزيد على مئة من أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة خلال المدة الماضية، بالإضافة إلى اهتمامها المتواصل بإدماج المفرج عنهم اجتماعياً. كما نرحّب بقرار إزالة سجن أبو سليم ونقل بقية المعتقلين إلى سجن مفتوح موقتاً». وأعلنت المؤسسات الحقوقية أيضاً أن «اللجنة الشعبية العامة شرعت في اتمام إجراءات تعويض أسر الشهداء الذي توفوا أثناء المواجهات»، في إشارة إلى الذين قُتلوا في الاشتباكات بين قوات الأمن وعناصر «المقاتلة» في أواسط تسعينات القرن الماضي عندما حاولت الجماعة قلب نظام الحكم. وكان سجناء «المقاتلة» ال 45 يعرفون منذ ما لا يقل عن شهرين أن السلطات وضعت أسماءهم على لائحة أشخاص سيُفرج عنهم. وكان ذلك متوقعاً أن يحصل بعد إعلان قيادة تنظيمهم (الأمير عبدالحكيم الخويلدي بالحاج وسامي مصطفى الساعدي ومفتاح المبروك الذوادي عبدالوهاب محمد قايد ومصطفى الصيد قنيفيد وخالد محمد الشريف) في آب (أغسطس) الماضي «الدراسات التصحيحية» التي رفضت اللجوء إلى العنف لقلب نظام الحكم الليبي، وكذلك بعد «الاعتذار» الذي وجهه قادة الجماعة إلى العقيد معمر القذافي في مناسبة ذكرى «ثورة الفاتح» في أيلول (سبتمبر) الماضي والذي اعتذروا فيه عن حملهم السلاح لقلب نظامه في التسعينات. وغالبية سجناء «المقاتلة» المفرج عنهم أمس من عناصر الشبكات التي فككتها أجهزة الأمن في سنوات المواجهات بين الجماعة ونظام الحكم في النصف الثاني من التسعينات. وفي حين كان دأب بعض هؤلاء على نفي صلته التنظيمية ب «المقاتلة»، فإن أجهزة الأمن أصرت على أنه مرتبط بالجماعة ودانته على هذا الأساس. كما أن من بين المفرج عنهم عناصر من «المقاتلة» كانوا يشاركون في نشاطات الجماعة خارج ليبيا وتم تسليمهم إلى بلادهم من الخارج. وإضافة إلى هؤلاء، أفرجت ليبيا أيضاً عن 43 «جهادياً» لا ينتمون إلى «المقاتلة»، من دون أن يوضح البيان ما هي التنظيمات التي ينتمون إليها، إذا كانت هناك فعلاً تنظيمات. لكن المعلومات المتوافرة ل «الحياة» تشير إلى أن معظمهم من الذين اعتُقلوا في إطار تفكيك شبكات تعمل على تجنيد متطوعين إلى العراق، أو تشارك في عمليات تدريب للمتطوعين على استخدام السلاح، أو حتى المشاركة في تزوير وثائق بهدف تهريب هؤلاء المتطوعين إلى خارج ليبيا. وانتشرت هذه الشبكات غير المنتمية تنظيمياً إلى «المقاتلة» بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، وفككت أجهزة الأمن العشرات منها في السنوات الماضية. ومعلوم أن إحصاءات أميركية لعدد المتطوعين العرب الذين انتقلوا إلى العراق للقتال إلى جانب تنظيم «القاعدة» أظهرت أن الليبيين جاؤوا عددياً في المرتبة الثانية بعد السعوديين (122 ليبياً مقارنة مع 244 سعودياً). كما أن بعض الموقوفين «الجهاديين» لا يصف نفسه بأنه ينتمي إلى «تنظيم جهادي» ويقول إنه ينتمي إلى «تيارات سلفية» لا تؤمن أصلاً بحركية التنظيمات الجهادية. وسألت «الحياة» القيادي السابق في «المقاتلة» الباحث الليبي نعمان بن عثمان عن الفرق بين سجناء «المقاتلة» والسجناء «الجهاديين» الآخرين، فأجاب: «هذا التصنيف أمر يعود للدولة التي تريد أن تؤكد ان هناك مساجين من المقاتلة وآخرين ليسوا من المقاتلة، وعدد هؤلاء بالمئات وغالبيتهم من الذين اعتُقلوا في إطار تصاعد الحالة الجهادية في ليبيا بعد الغزو الأميركي للعراق في 2004. والدولة الليبية – كأي دولة أخرى – لم يكن في إمكانها السماح بأي نشاط لجماعات تؤمن بالعمل المسلح على أرضها». وسُئل هل بات في الإمكان الآن توقع أن تفرج السلطات عن قيادة «المقاتلة» بعد المراجعات التصحيحية التي أصدرتها والاعتذار الذي وجهته إلى القذافي، فرد بأن «الإفراج عن قيادة الجماعة المقاتلة موضوع فني وتقني كان قد تم تجاوزه من دون حله في العام 2007 عندما انطلق الحوار (بين السلطات وقيادة الجماعة برعاية مؤسسة القذافي وبإشراف مباشر من سيف الإسلام). والآن بعدما انتهى الحوار الى نتائجه المرجوة بإصدار الدراسات التصحيحية عادت هذه القضية التي تحتاج إلى حل، إذ أن ملف التحقيق ما زال مفتوحاً في حق بعض القادة. وللأمانة، اعترض بعض كبار المسؤولين الأمنيين في العام 2007 على الشروع في المفاوضات قبل إغلاق ملفات التحقيق الأمنية. ولا أعلم الآن كيف يمكن تجاوز هذه القضية، لكننا نحتاج إلى تدخل من سيف الإسلام كي يوازن بين مصالح الطرفين: الطرف الذي يريد استعادة حريته، والطرف الذي يريد إغلاق ملف التحقيق الأمني». وهل يعتقد أن الإفراج عن سجناء «المقاتلة» مرتبط بترشيح سيف الإسلام الى منصب «المنسق العام» للقيادات الاجتماعية والشعبية، فأجاب: «هذه القضية لا علاقة لها بسيف الإسلام لناحية ترشيحه إلى هذا المنصب، ولكن لها علاقة بسيف الإسلام لأنه صاحب المبادرة في الحوار بين السلطة والإسلاميين في 2007». وليس واضحاً متى سيتم تعيين سيف الإسلام في منصبه الجديد. لكن المعروف أن مسودة «الميثاق الوطني» الجديد لليبيا (بمثابة دستور للبلاد) يصف صاحب هذا المنصب بأنه «رئيس مجلس القيادات الاجتماعية والشعبية» (بدل المنسق العام للجمعيات الاجتماعية والشعبية). ولهذا المنصب الجديد صلاحية واسعة بينها الإشراف على عمل اللجنة الشعبية العامة (الحكومة) ومجلس الشعب العام (البرلمان) وتمثيل ليبيا في الخارج وأيضاً احتلال منصب «القائد الأعلى للقوات المسلحة» (وليس القائد العام للقوات المسلحة). وغير واضح هل سينجح سيف الإسلام في إقرار مسودة «الميثاق الوطني» قريباً بعدما تأجل إقرارها العام الماضي، وما هي التعديلات التي سيتم إدخالها عليها قبل إقرارها. لكن عملية إقرار الميثاق يجب أن تمر عبر اللجان الشعبية المحلية (البرلمانات المحلية) التي تُقره ثم تحيله على اللجان الشعبية في الدوائر الأوسع (الأقاليم) والتي تحيله بدورها على مجلس الشعب العام (البرلمان الليبي).