عبد الرحمن الراشد * نقلا عن "الشرق الأوسط" السعودية فجأة دب الحماس في أوصال وسطاء السلام بين دمشق وتل أبيب. الأميركيون اتجهوا إلى طريق دمشق بعد أن ملوا من الخط الفلسطيني، بسبب إصرار أبو مازن على وقف كامل لبناء المستوطنات قبل أن يجلس على الطاولة. دمشق لديها شرط أولي واحد اسمه خط حدود ما قبل السادس من يونيه 67، على إسرائيل أن تقبل به. رئيس وزراء إسرائيل الذي طلب إبعاد الوسيط التركي في غرفة التفاوض، قال إنه يريد مفاوضات مباشرة. هنا لم يجد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي رأى كيف راحت عليه سنة ثمينة من رئاسته بلا نتيجة على الخط الفلسطيني قبل بنصيحة الفرنسيين أن ينظر في الطلب السوري، فهو أكثر واقعية وأكثر عملية من الطلب الفلسطيني. وكان أوباما قد أعطى أبو مازن طلبه بأن يكون التفاوض على حل نهائي أي إقامة الدولة الفلسطينية وإلغاء خارطة الطريق وما سبقها من شروط، وقد رضخ نتنياهو لهذا الطلب مع أن وعده الانتخابي ضد التفاوض على قيام دولة فلسطينية. هنا صار البحث عن سلام بين دمشق وتل أبيب مطلوبا، خاصة أنه سيكون أهون كثيرا من سلام إسرائيلي مع الفلسطينيين، حيث لا توجد في الجولان المحتل أماكن عبادة، ولا مزاعم تاريخية توراتية في الجولان، بل مجرد مزارع عنب وبضع مستوطنات وكيبوتزات، ولا يوجد لاجئون سوريون مشردون في أنحاء العالم. قضية هينة التفاصيل، لكنها مثقلة بالشكوك والإرث التاريخي في النزاع العربي الإسرائيلي. الإسرائيليون يعتقدون أن السوريين ينشدون استئناف المفاوضات بهدف فك الحصار الأميركي السياسي والاقتصادي عنهم، المعادلة التي وجدوا أنفسهم فيها منذ اغتيال الحريري وبعد تزايد تحالفهم مع طهران. أي أنهم لا ينوون توقيع سلام حتى لو أعيدت كل الجولان إلى حدود ما قبل حرب سبعة وستين بل كسر الطوق عنهم فقط. هل يستطيع السوريون توقيع سلام مع الإسرائيليين؟ احتمال ضعيف جدا في ظل الخطاب السوري والمواقف السياسية. لا يوجد دليل واحد على أن دمشق تنوي بالفعل الإقدام على خطوة جريئة كهذه مهما قدم الأميركيون والإسرائيليون من هدايا وأعادوا من حقوق. ولو فعلتها سورية ستكون قد غيرت تاريخ المنطقة العربية أكثر مما فعل الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما وقع اتفاق السلام التاريخي بين بلاده وإسرائيل. ولو قررت دمشق فعلا التفاوض ستحصل على اتفاق سلام يعيد الجولان ويغلق الجبهة السورية، وبالتالي الجبهة اللبنانية مع إسرائيل. مهمة صعبة سياسيا في عالمنا العربي، خاصة بالنسبة لعاصمة الرفض العربي التي بنت خطابها ومشروعها وعلاقاتها على حالة العداء. وبالنسبة للإسرائيليين ليسوا في حال مختلف. فالعداء مع سورية محسوب بميزان دقيق لا تتعداه الدولتان، ومفيد للنظام الإسرائيلي الذي يعتبر حالة الحرب ضرورة لبقاء الدولة العبرية، وبالتالي وبمثل هذا الشعور المشترك، لن تفرز المفاوضات المقبلة شيئا مثيرا أو جديدا. ستخدم المفاوضات الأطراف المختلفة في تنشيط العلاقات الخارجية وسترضي الوسطاء الباحثين عن أدوار تضعهم على الخريطة وستنتهي كسابقتها اتفاقا لا يوقع.