فرحت أم مريم كثيرا بحملها ومن ثم ولادتها لطفلة طال انتظارها,, وغيرت مجرى حياة البيت وملأته بالشقاوة والدعابة والأنس,, ومرت السنين تلو السنين وكبرت مريم وكبر معها حلمها بأن تصبح معلمة حتى تحقق لها ذلك وأصبح يشار إليها بالبنان,, كونها متفوقة بالشهادة الجامعية وتأمل في مواصلة تعليمها العالي ولم تفكر أين ستدرس وأين ستتعين,,, الى أن شاءت الأقدار ( اقصد أقدار أقلام المعينين بوزارة التربية والتعليم الذين يهنأوون ببرودة المكيفات ويتكأوون على مكاتبهم التي هي غاية في الرفاهية, ويعتمدون في آليتهم في التعيين على عملية المقص أو صل المجموعات,,,, بحيث المعلمة التي تسكن في الشمال تعين بالجنوب والتي بالشرق تعين بالغرب و ينطبق ذلك داخل المدن ومكاتب التربية والتعليم حيث تحرم المعلمة من التعيين بالمدرسة التي بجوار منزلها الى مدرسة تبعد عنها مئات اوعشرات الكيلو مترات,,, ومن ثم يلجأ ون هؤلاء الأخوان المعينين في السنة القادمة الى عمل حركة نقل جديدة وكبيرة "تبيض الوجه أمام المسئول" وتدل على أنهم يبذلون قصارى جهدهم في تلبية الرغبات,,, أذن لماذا لم تلبى الرغبات من البداية أيها السادة والسيدات ),, ونعود لقصة مريم التي تلقت خطاب التعيين بتلك القرية النائية فمزجت فرحة التخرج وحب التعليم بمصيبة التعيين وكارثة المجهول في تلك الصحراء وطلبت من والدها شراء الساعة المنبه كي تصحو الساعة الرابعة فجرا لبدء رحلة الذهاب الى المدرسة ,,فتقوم بعد سماع (إنذار الخطر) اقصد جرس المنبه فتتهيأ ويتهيأ معها قلب الأم الحالمة على مدار السنوات الماضية بأن ترى ابنتها بجانبها في كل الأوقات ومريم تنظر من شرفة منزلها بانتظار وقت وصول ( ميكروباص المدرسة) تلك الحافلة السوداء والمكتوب عليها نقل المعلمات ,,,وهكذا تبدأ الرحلة مع ظلام الفجر وتستمر قرابة الساعتين برفقة أخريات وسائق ذو شنب غليظ يحمل كلاشنكوف للتصدي لأي خطر يواجههم في ظلمة النهار حتى الوصول للمدرسة وكأنهن ذاهبات لمعركة تحرير أو مقاتلة اسود وليس لساحة التربية والعلم ( يالها من متعة معتمه ) فبأي روح ستؤدي هذه المعلمة حصصها,,, وبأي رغبة تقدم لطالباتها الدروس,,, وبأي جهد تستطيع تحمل ست حصص يوميا بعد عناء هذه الرحلة ,,,,,وهن الجنس الناعم ''والجنس اللطيف ''والجنس المهيأ للرفاهية,, وليس للتعب والشقاء والعربدة اليومية ورحلات الخطر والغبار والبنشر ,,,,,حتى أصبحت مريم أشد غلاضة وفضاضة ,,,,ورفضت الزواج حتى يتم نقلها ولكنها للأسف انتقلت الى مثواها الأخير وهي في رحلتها اليومية للذهاب لطالباتها ,,,,,,,,وأمها في انتظار عودتها لتضع المنبه على الساعة الرابعة فجرا لغد جديد قد يذهب ضحيته مريم جديدة ,,,فتخيل يامن تعين البنات بابنتك مكان مريم ,فهل ستوافق؟!!!!!