تقطع المعلمة فوزية صالح مسافة 300 كيلو مترا ذهاباً وإياباً يومياً من مكةالمكرمة إلى مركز القوز جنوب القنفذة حيث تعمل، وتبدأ رحلة الشقاء تلك من الثالثة فجراً للتحضير للرحلة المكوكية الشاقة وانتظار الحافلة التي تقلها قبل صلاة الفجر بقليل مع زميلاتها إلى قرية نائية لا تتوفر بها أبسط مقومات الحياة، ولكنها مقتنعة بعملها رغم ما يحفه من مخاطر واقلها الحوادث المرورية التي تحصد أرواح أعداد من المعلمات في مختلف مناطق المملكة نتيجة للطرق الوعرة والمنعطفات الترابية والأودية التي تفيض بالسيول وتهالك المركبات، فضلاً عن تهور السائقين أو عدم إلمامهم باشتراطات السلامة المرورية. مسلسل معاناة معلمات المناطق النائية في مختلف مناطق المملكة المترامية الأطراف، لا يقتصر على الحوادث المرورية فقط والإرهاق والتعب، بل يتعدى ذلك بكثير، فمعظم المعلمات متزوجات وأمهات لأطفال صغار في حاجة لرعاية، وابتعادهن عن المنزل منذ الفجر وحتى قبل غروب الشمس بقليل له آثار سالبة على ذهن ومزاج المعلمة نفسها وينعكس على أدائها وإيصال رسالة التعليم للنشء بالوجه المطلوب. وتطالب المعلمات وأولياء أمورهن وزارة التربية والتعليم بوضع آلية جدية لنقل الطالبات والمعلمات للحد من معاناتهن والحفاظ على سلامتهن، وإسناد مهمة النقل لشركات كبيرة ووضع معايير للسائقين منها السن والحالة الصحية، وأيضا إخضاع المركبات للفحص الدوري والتأكد من سلامتها قبل بداية العام الدراسي، وبإشراف مباشر من الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى .. وهنا نستعرض بعض من معاناة المعلمات والحلول المطروحة: في جازان، ما زالت أصداء حادثة تعرض المعلمة أمل العامري باقية في وجدان أهالي محافظة ضمد، وهو الحادث الذي تسبب في فقدانها لجنينها وإست صال رحمها، فضلاً عن كسور مضاعفة في أنحاء مختلفة من جسدها، وجعلها طريحة الفراش لمدة أربعة أشهر، فيما أصيبت زميلتها الأخرى بفقدان جزئي للذاكرة. قصة أمل العامري معلمة الانجليزي وزميلتها، عكست المعاناة الحقيقية لمعلمات المناطق والقرى النائية عموماً، فالعامري تقطع أكثر من 300 كيلوا متر من ضمد باتجاه المجاردة في محائل عسير، إلا أن رحلة الجمعة الموافق 18/1/1432ه كانت بداية النهاية للمعلمتين، بعد تعرضهما لحادث سير بسبب تهور سائق في مقتبل العمر لم يحسب عواقب تصرفه ونتج عنه فقدان جنين وكسور في الحوض والإطراف لدى الأولى، وفقدان للذاكرة في الأخرى. وهنا أبدت العامري، استياءها الشديد بسبب ما وصفته ب تجاهل وزارة التربية والتعليم لمعاناتها وعدم السؤال عنها بعد الحادثة بل الاستغناء عن خدماتها بحجة أنها متعاقدة ولم أباشر الدوام رغم وجودي، وزادت «منومة في المستشفى لأربعة أشهر ومثبت بتقارير طبية، ولم أتوقع هذا التصرف رغم تضحياتنا الكبيرة في نشر رسالة التعليم». تهديد مباشر وتصف المعلمة غصون الواصلي الطريق الصحراوي الذي تسلكه وزميلاتها للوصول إلى عملها في منطقة القحمة والبرك، بالخطير جداً ويهدد سلامتهن بشكل مباشر، وقالت: رحلتنا اليومية تبدأ منذ الخامسة صباحا نقطع خلالها أكثر من60كيلوا متراً من الأودية والمنعطفات الترابية، فضلا عن السيول التي تقطع الطرق ويتوجب عليهن البقاء في المدرسة لساعات طويلة عدا وضع المدرسة المتهالك التي تفتقر لخدمة الكهرباء. ولم يكن وضع عيضة اللامي بأحسن حالا من زميلتها الواصلي، وبينت أنها تقوم بالتدريس في مركز حلي على بُعد 50 كيلو متر وتسلك طريق رملي غير معبد، ما يهدد حياتها وزميلات لخطر الحوادث المميتة أو المضايقات من ضعاف النفوس فضلاً عن تفاوت البدل بين معلمة وأخرى على حد قولها . معايير محددة وفي تبوك، طالبت معلمات القرى النائية، بإشراف وزارة التربية والتعليم، على وسائل النقل المخصصة لنقلهن مقارهن ووضع معايير لسائقي الحافلات نفسها، وإشراك الجهات المختصة بالأنظمة والسلامة للحفاظ على سلامتهن. وهنا تشكو المعلمة أم طيف معاناتها المتكررة على مدار العام، وقالت: أنتقل من تبوك إلى قري محافظة ضباء، رغم أني متزوجة ولدى أطفال يحتاجون إلى الرعاية والعناية، وأضافت: زوجي يعمل في السلك العسكري في تبوك، ومع هذا أقطع مسافة 250 كيلو متر يومياً، برفقة زميلاتي، حيث تبدأ رحلتنا مع صلاة الفجر ونعود إلى منازلنا في الخامسة مساء أحياناً، ونحن نتعرض لخطر الطريق دون أن تهتم وزارة التربية بمشاكلنا ومعاناتنا اليومية، فحتى السيارات التي تقلنا قديمة ولا تصلح لقطع مسافات طويلة وغير مهيأة أصلا. رحلة نحو المجهول وفي تبوك أيضاً، تودع المعلمة نوره سعد، أطفالها صباح كل يوم قبل مغادرتها للمنزل، وقالت: أودع أطفال لخشيتي من المجهول، ومشواري يبدأ قبل صلاة الفجر، حيث استقل المركبة مع زميلاتي المعلمات، نحو المدرسة التي تبعد عن المدينة بنحو 140 كيلومتراً، وبرنامجي يبدأ من الثالثة فجراً حيث يأتي السائق لاستحطابي في الرابعة فجراً ليبدأ معه مشوار المعاناة حيث نخشى من المفاجآت الغير سارة وتبقى صورة أطفالنا عالقة في الذهن حتى عودتنا للمنزل مساءً. مشهد مأساوي لا زال المشهد ماثلا أمام المعلمة جميلة غازي وهي الناجيات من حادث مرور ضمن مسلسل الحوادث التي تطال المعلمات في منطقة تبوك وراح ضحيته عدد من المعلمات، وقالت: رأيت بعيني زميلات لي يفارقن الحياة في مكان الحادث، وهو مشهد مأساوي لا زلت أعيش بسببه حالة نفسية صعبة حتى اليوم. بدورها، بينت المعلمة مريم البلوي أن نسبة المعلمات التي ينتقلن إلى خارج مدينة تبوك حقل، ضباء وتيماء، ومحافظات ضباء، الوجه، املح تبلغ 30 في المائة من معلمات منطقة تبوك إجمالاً، وأضافت، نغادر منازلنا في الفجر ونعود في المساء، ومع هذا نقوم بواجباتنا المنزلية ولا أحد يقدر معاناتنا. شركات متخصصة إلى ذلك، طالب عدد من المواطنين في منطقة تبوك، وزارة التربية والتعليم بإسناد مهمة نقل المعلمات القرى النائية إلى شركات كبيرة تمتلك حافلات حديثة وسائقين باشتراطات معينة، وذلك للحد من الحوادث المرورية التي يتعرضن لها بشكل شبه يومي. وهنا بين جربيع العنزي (ولى أمر معلمة) أن معاناة المعلمات وأسرهن تبدأ مع انطلاقة العام الدراسي برحلة بحث شاقة عن وسيلة نقل مناسبة ولا يهم ما إذا كانت المركبة حديثة أو قديمة أو خاضعة للفحص الدوري ومطابقة لاشتراطات السلامة، أو حتى عن مواصفات السائق، فقط أن يكون كبيراً في السن ومعروف. وأضاف: هذا الوضع أفرز مسلسل الحوادث المميتة التي يروح ضحيتها سنوياً عدد مقدر من المعلمات القديرات والمربيات الفاضلات، في ظل تجاهل وزارة التربية والتعليم، معاناة معلمات المناطق النائية اللاتي يقطعن مسافات طويلة من أجل تقديم رسالة التعليم وتأهيل جيل جديد تبنى عليه الآمال، فيما تساءل أسامة شقير، عن دور الوزارة في تأمين وسيلة نقل مريحة للمعلمات، وأضاف: مهمة نقل المعلمات يجب أن تسند إلى شركات كبيرة تمتلك أسطولاً من السيارات الحديثة وبمواصفات تطابق اشتراطات السلامة حفاظاً على أرواح المعلمات. معاناة مشتركة وتعاني المعلمات المنتدبات في مدارس القنفذة مثل غيرهن من معلمات المناطق الأخرى من مشكلة النقل، وهنا قالت المعلمة فوزية صالح، أنها تقطع مسافة طويلة في رحلة شاقة من مكةالمكرمة حيث تسكن باتجاه مركز القوز جنوب القنفذة، وأضافت استيقظ في الثالثة فجراً وانتظر وصول السائق الذي يقلني مع زميلاتي إلى مقر عملي على بُعد 300 كيلو متراً ذهاباً وإياباً، وبعد نهاية الدوام انطلق إلى مسكني في رحلة مكوكية شاقة لا تخلو من الخطورة رغم أنني متزوجة وأم لأطفال صغار. دوامة لا تنتهي ولتفادي قطع مشوار يومي طويل لا نهاية له، أحضرت المعلمة الهنوف السعدي والدتها من جدة لتعيش معها في القنفذة، وذكر أنها عانت كثيراً من المشوار المضني، خصوصاً وأنها تعمل في مدرسة تبعد عن القنفذة بنحو 30 كيلو متراً، وقالت: فضلت العيش في القنفذة وفي نهاية الأسبوع نستقل حافلات النقل الجماعي باتجاه جدة حيث أسكن، وأضافت: أعتبر يوم الأربعاء من كل أسبوع بمثابة العيد، فيما يخيم على الحزن مع انتهاء الإجازة الأسبوعية لفراق الأهل والصديقات في جدة. ولا تختلف معاناة سارة البندري عن غيرها من معلمات المناطق النائية من مشقة الطريق وخطورته، وقالت: أعمل في الليث وأعاني مشقة قطع مسافات طويلة للوصل إلى مقر عملي وأعيش في دوامة لا تنتهي من المشاكل، هذا الوضع يترتب عليه انعكاسات سيئة على المعلمة وعلى أدائها في إيصال الرسالة التعليمة للنشء . أخطاء السائقين حمل مدير أدارة مرور منطقة تبوك العقيد محمد علي النجار مسؤولية حوادث المعلمات إلى قائد المركبة، وأضاف: بينت الدراسات والأبحاث التي أجريت للتعرف على أسباب الحوادث المرورية للمعلمات، أن السائق يتحمل جزء كبير من المسؤولية، خصوصاً وأن غالبيتهم لا يدركون أبسط قواعد السلامة المرورية، إلا أنه استطرد بالقول: «حوادث المعلمات في المنطقة لا تشكل ظاهرة بل هي حالات فردية، ويقع مثلها في كافة مناطق المملكة نظراً لاتساع رقعتها ووجود أعادا كبيرة من المعلمات العاملات في القرى النائية». وخلص إلى القول: «المنطقة شهدت هذا العام حادث مرري لمعلمات محافظة أملج في 5/ 1/ 1432 ه أصيب خلالها ثمانية معلمات وسائقهن، وحادث آخر على طريق شرما لمعلمات مركز البدع ونتج عنه إصابة أربع معلمات بالإضافة للسائق». وكانت إحصائية صادرة عن إدارة مرور منطقة تبوك أخيراً، بينت أن الحوادث المرور خارج مدينة تبوك خلفت خلال عامي 1431/1432ه وفاة أكثر من560 فيما بلغ عدد المتوفين داخل مدينة تبوك خلال العامين الماضيين أكثر من 260 شخصاً، فيما بلغ عدد الإصابات في الفترة نفسها أكثر من 2230 حالة خارج مدينة تبوك، و2433 إصابة داخلها، وأن عدد الوفيات بين لمعلمات 15 وإصابة 35 معلمة إصابات تفاوتت ما بين متوسطة وخطيرة. في القنفذة, أرجع مصدر في المرور أسباب الحوادث المرورية إلى السرعة الزائدة والتهور غير المسؤول من بعض صغار السن والشباب، أو حتى من بعض كبار السن، فضلاً عن تردي حالات المركبات نفسها والتي تفتقر للصيانة الدائمة ولا تراع اشتراطات السلامة المرورية. استعدادات المستشفيات وأوضح مدير العلاقات العامة في صحة تبوك عودة العطوي بأن المستشفيات ممثلة في أقسام الطوارئ مؤهلة لاستقبال الحوادث على مدار الساعة، باعتبار المنطقة سياحية ومترامية الأطراف، وأضاف: خدماتنا لا تفرق بين حادث معلمات وحادث عادي ونتعامل مع كافة الحالات التي تصلنا بقدر واحد، وقال: مستشفيات تستقبل ضحايا الحوادث عموماً ونقدم كافة الخدمات الطبية المطلوبة. من جهته، قال الناطق الإعلامي في الشؤون الصحية في القنفذة عبد الله محمد العبادي أن مستشفى القنفذة العام استقبل في الفترة الأخيرة العديد من الحوادث المرورية التي راح ضحيتها لعدد من المعلمات والطالبات، مبيناً استنفار المستشفى طاقات الطبية والبشرية لاستقبال وعلاج مثل هذه الحالات . عمل متواصل من جهته، أوضح مدير فرع الهلال الأحمر في منطقة تبوك حسين البلوي أن فرق الهلال الأحمر تعمل على مدار الساعة لمباشرة الحوادث المرورية فور تلقيها البلاغ، مؤكدا بأن هناك فرق موجودة في كافة أرجاء المنطقة وليست محصورة في مدينة تبوك وحدها، كاشفاً عن دراسات لتدشين مراكز جديدة للهلال الأحمر في بعض المناطق وفق الاحتياج. آلية جديدة وطالب مدير فرع الخدمة المدنية في تبوك محمد إبراهيم النحاس وزارة التربية والتعليم بالمبادرة وتطبيق آلية جديدة لنقل الطالبات والمعلمات، ومنها إخضاع السائق للكشف الطبي، وان لا يتجاوز عمره عن 60عاماً، وأيضاً إخضاع المركبة نفسها للفحص للتأكد من سلامتها قبل بداية الفصل الدراسي. دراسة مشروع أكدت مصادر في وزارة التربية والتعليم، أن مشروع النقل المدرسي للمعلمات والذي سبق وأن أعلنت عنه وزارة التربية والتعليم أوكل لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم ( تطوير ) وبينت ذات المصادر، أن بداية الفصل الدراسي الأول من العام المقبل 1432 / 1433 ه ستحمل بشائر كثيرة لمعلمات المناطق النائية من شأنها الحد من الحوادث المرورية . وكانت نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات نورة الفايز، أكدت في وقت سابق، أن الوزارة تسابق الزمن لإنهاء دراسة استشارية شاملة تمهيدا للبدء في إسناد نقل المعلمات إلى القطاع الخاص وفق معايير عالية الجودة سعيا منها لمعالجة المشاكل التي تعترض نقل المعلمات حاليا، وأوضحت أن الدراسة تشمل بناء قاعدة للبيانات الأساسية اللازمة لعملية تخطيط وتطوير الخدمة، ودراسة وتقييم الوضع الراهن لنقل المعلمات، إضافة إلى تطوير الآلية التشغيلية المثلى . ووفق الفايز، فأن الوزارة حددت، ثمانية أشهر لإنهاء الدراسة، يتم خلالها صياغة جدول زمني لتنفيذ مراحلها، وأبدت عن أملها في أن يكون الفصل الدراسي الأول من العام 1432/1433ه بداية الانطلاقة الفعلية للمشروع، موضحة أن تحديد حد أعلى لزمن انتظار المعلمة للمركبة، سرعة سير المركبة، الزمن الأقصى للرحلة، وتحديد العمر المسموح به للمركبة، هي أبرز المعايير التي تحكم الوزارة من خلالها على فاعلية الخدمة من عدمها.