كبرت مريم وكبر معها حلمها أن تصبح معلمة حتى تحقق لها ذلك. وفي صبيحة يوم تلقت خطاب التعيين في قرية نائية فمزجت فرحة التخرج وحب التعليم بمصيبة التعيين وكارثة المجهول في تلك الصحراء. أول عمل قامت به أن طلبت من والدها شراء الساعة المنبه كي تصحو الساعة الرابعة فجرا لبدء رحلة الذهاب إلى المدرسة، فتقوم بعد سماع (إنذار الخطر) فتتهيأ ويتهيأ معها قلب الأم الحالمة، لتنظر من شرفة منزلها بانتظار وقت وصول (ميكروباص المدرسة) الحافلة السوداء الخاصة بنقل المعلمات. تبدأ الرحلة نحو المجهول مع ظلام الفجر وتستمر قرابة الساعتين برفقة أخريات وسائق ذي شنب غليظ يريد من خلاله طمأنة المعلمات فيما أثار به مزيدا من الخوف في قلوبهن الغضة. رحلة الوصول إلى المدرسة أشبه بمغامرة غير محسوبة النتائج، فبأي روح ستؤدي هذه المعلمة وغيرها واجباتهن، وأي جيل ينتظر أن تنتجه معلمات هذا هو حالهن وتلك هي ظروفهن للوصول إلى المدرسة. مريم نسيت أنوثتها مع الأيام وقسوة السفر المستمر ومعاناته فرفضت الزواج حتى يتم نقلها إلى داخل المدينة التي تقيم فيها، فانتقلت أخيرا، ولكن إلى رحمة الله جراء حادث مروري على طريق المعاناة، وووري جثمانها في أقرب مقبرة من دار أسرتها حيث تقف أمها فجر كل يوم على شرفة المنزل تنظر إلى حلم ابنتها وقد استحال رفاتا. ردة بن محمد الحارثي الطائف