عبدالرحمن الراشد * الشرق الأوسط اللندنية كل يدرك أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يختلف في أسلوب إدارته للأزمات كثيرا عن سلفه الراحل ياسر عرفات، وهذا ما دفعه مرارا إلى العزلة وأحيانا إلى التهديد بالاستقالة لأنه لا يستطيع تحمل الضغوط الداخلية والخارجية. ولو كان أبو عمار على قيد الحياة، واعترضته مثل الهجمة الدعائية حول تقرير جولدستون لسارع بالإنكار والتنديد وربما قدم كبش فداء. وقبل ذلك ربما سعى إلى إرضاء المهزومين في الانتخابات الماضية في منظمة التحرير بغض النظر عن النتائج الحقيقية، حتى لا ينقلب الخاسرون، مثل نبيل عمرو فيساند حماس ويهاجمه. من عيوب أبو مازن أنه أقل مرونة ومساومة. بالتأكيد ليس لاعبا سياسيا يراوغ يمنة ويسرة ليتجنب الهجوم عليه، بل يجلس في المنتصف هدفا سهلا. وتقرير جولدستون استخدم ضده من رفاقه وخصومه على السواء، كل يريد أن يصفي حساباته. المضحك أن حماس التي استخدمت أكثر العبارات بذاءة ضد الرئيس الفلسطيني لأنه قبل تأجيل مناقشة تقرير جولدستون هي نفسها التي رفضت التقرير عندما أعلن وهاجمته واعتبرته مؤامرة يهودية من قبل جولدستون اليهودي. فجأة لأن أبو مازن وافق على تأجيل نقاش التقرير صار في نظر حماس خائنا وعميلا ومطالبا بسحب جنسيته ومحاكمته. حماس تمارس لعبة تشويه لم تتوقف منذ عام 2005 ضد قيادة السلطة الفلسطينية، جعلتها الهدف الأول في مشروعها السياسي. تعتمد تكثيف الحملات ضد أبو مازن ورئيس الوزراء سلام فياض، لأنها تعلم جيدا أن أداء الحكومة على الأرض في الضفة الغربية هو الأفضل في تاريخ القيادة الفلسطينية، بنزاهته والتزاماته تجاه مواطنيه الفلسطينيين. تاريخيا، في الشأن الفلسطيني، مألوف جدا تبادل الاتهامات إلى حد الاتهام بالعمالة، من قبيل الاستهلاك الكلامي والعبث السياسي. وقد سبق للجماعات الفلسطينية اليسارية، ثم لاحقا حماس، اتهام أبو عمار بشكل مستمر ببيع القضية. وسبق ل«فتح الثورية» أن فاخرت بقتل مسؤولين فلسطينيين بدعوى الخيانة، وكانت كلها في الحقيقة نزاعات سياسية داخلية أو إقليمية لا علاقة لها البتة بإسرائيل. ورغم ما تعرض له أبو مازن لم يسجل أحد أبدا عليه أنه استخدم قط أسلوب التصفيات، حتى عندما قتل رجاله في غزة يوم استولت حماس بقوة السلاح على كل القطاع في حرب شوارع دامية بين الإخوة، وحتى بعد أن ضبطت خلية لحماس سعت لاغتيال أبو مازن في رام الله لاحقا. وهذا لا يجعله رئيسا بلا أخطاء إنما ما يحدث اليوم هي هجمة شتائم منظمة ضد السلطة الفلسطينية في قضية مفتعلة. تقرير جولدستون لا يستحق ثمن الحبر الذي كتب به، وفي أحسن الأحوال، وهو أمر بعيد، لو نوقش وقُبل، سيرفع إلى مجلس الأمن وهناك سينقض بالفيتو. كما أن التقرير نفسه يجرم حماس في الحرب الماضية ويعتبرها أيضا ارتكبت جرائم حرب. بكل أسف ما نراه أمامنا هو تدهور خطير في أخلاق السياسيين الفلسطينيين بما يضعفهم، وسيفقدهم فرصة ثمينة في المناخ السياسي الإقليمي والدولي يمكن أن يعزز وضعهم التفاوضي، الذي هو أهم مليون مرة من تقرير جولدستون والبطولات الكلامية.