محمود سلطان - الاسلام اليوم لم تتعرض ظاهرة "الحجاب" في أوروبا، لحملة ملاحقات "احتجاجية" أو "تشريعية"، مثلما يحدث هذه الأيام! كان الصدام منذ سنوات حاداً غير أنه لم يتخذ صورة "جماعية" تنذر بأزمة حقيقية لفكرة التعايش التي تُعتبر المظلة "العرفية" الوحيدة التي يتوقع المسلمون في الغرب أن يجدوا فيها ملاذهم الآمن. مسألة الحجاب -وبعيداً عن أي اعتبارات "دينية"- تظل في فحواها "المجرد" قضية "حقوقية" تتعلق بالحريات الشخصية التي من المفترض أن تصونها "العلمانية" الغربية أو على أقل تقدير تقف منها موقفاً محايداً.. ومع ذلك يتغاضى الغرب كله عن هذه المسألة، ويتجاهل الخوض في تفاصيلها، بل كان مثيراً للدهشة أن تتجاهل الجماعات الحقوقية في الغرب، وفي العالم العربي والإسلامي، الظاهرة برمتها، ولم تدرجها على أجنداتها، على الرغم من صخبها الإعلامي اللافت، فيما تولي لقضايا أخرى ربما تكون أقل شأناً أولوية أكبر، وتقيم الدنيا من أجلها ولا تقعدها، مثل أزمة "بنطال" الصحفية السودانية، على الرغم من أن الأخيرة تُصنّف في ذات "النوع" من مسألة حقوق الإنسان، على أساس أن ارتداء أي منهما مسألة "شخصية" ينبغي أن يحترمها "المجتمع الديمقراطي" بحسب المنطق العلماني المحض! ولئن كان موقف الجماعات الحقوقية في العالم العربي، من مسألة الحجاب، تحكمه اعتبارات أخرى ليس من بينها "الاعتبار الحقوقي"، وإنما "الإيديولوجي" في سياق الخلافات الحادة بين التيارين "الإسلامي" الذي يتعرض عادة ل"الاضطهاد السياسي" وبين "النخبة العلمانية" التي تسيطر على غالبية جمعيات حقوق الإنسان ومعظم المؤسسات الإعلامية والصحفية، ما ينعكس بطبيعة الحال في صورة تحيز للرؤية العلمانية لعلاقة الدين بالدولة والمجتمع، وما يخلفه من مواقف غير إنسانية تجاه ما يتعرض له الإسلاميون من اضطهاد وملاحقات أمنية وقضائية استثنائية.. فإن موقف الجماعات الحقوقية الغربية والتي ليس لها أية "عقد أيدلوجية" مشابهة مع الإسلاميين من مسألة الحجاب في الغرب، هو ما يحتاج إلى استقصاء حقيقي لسبر غور سكوتها المدهش لما تتعرض له المسلمات الغربيات من مضايقات تبلغ مبلغ "الاضطهاد الديني". وفي تقديري أن المسألة لا تتعلق ب"التعصب الديني".. فالمجتمع الغربي ونخبه السياسية والفكرية والحقوقية غير متدينة أصلاً، وإنما ربما يتعلق ب"الهوس" الذي أصاب علماء الاجتماع السياسي الغربي، مما يطلقون عليه "أسلمة أوروبا". فالمصطلح الأخير لم يعد متداولاً، بين السلطات الدينية الفاتيكانية، وإنما بات موضوعاً لدراسات علم الاجتماع الديني، والتي تتوقع بعضها تحوّل أوروبا إلى ما يصفونه ب"إمارات إسلامية"، إما في شكلها الحضاري ومن خلال تنامي ظاهرة الحضور "الإسلامي الرمزي" مثل الحجاب والمآذن أو في اختلال الميزان "الديمغرافي السكاني" بها لصالح المسلمين على أراضيها بسبب الهجرة، أو ارتفاع نسبة الخصوبة في الأسر المسلمة، قياساً إلى تدنيها "المرعب" في الأسر المسيحية الغربية. أعتقد أن الحملة الجماعية على "الحجاب" الآن، لا تتعلق ب"أزمة أهلية" يقودها "الصراع الديني"، وإنما "صراع على المستقبل" بين هويتين: مسيحية آخذة في الأفول، وإسلامية انتقلت لأول مرة من "الشرق" لتكون "جزءاً" من "الغرب"، تقاسمه الهوية، وتنافسه على مستقبله الحضاري والسياسي.