من القصص المتداولة عن الانتخابات النيابية في إحدى الدول العربية أن أحد مثقفي الدائرة رشّح نفسه أمام المرشح الدائم الذي لا يقرأ ولا يكتب.. وكان المرشح المثقف يعلن على الملأ أنه «رجل ديمقراطي» فاجتذب الناس بأفكاره.. فما كان من خصمه إلا أن قال للجماهير «أتدرون ما معنى ديمقراطي؟ إنه الرجل الذي يدعو إلى تحرير المرأة من ملابسها المحتشمة».. وشاع هذا المفهوم بين العامة فانفضوا عن مرشحهم المثقف وعادوا لمناصرة المرشح الأول. الداعي إلى المقدمة السابقة هو الهجوم الذي شنّه الدكتور عوض القرني في أحدية الرشيد الثقافية على الليبرالية وتداولته بعض المواقع الإلكترونية.. وذكر كيف أن الليبراليين (السعوديين) يتقاسمون الأدوار فيما بينهم في الهجوم على الإسلام والمسلمين.. فالليبراليون في الوسطى تخصصوا في نقد الصحوة الإسلامية.. أما الليبراليون في الغربية فقد تخصصوا في نقد الوهابية.. ولم يذكر شيئاً عن الليبراليين في الشرقية والجنوبية والشمالية.. ثم زاد على ذلك بأن الليبراليين في جذورهم يساريون.. وهم ستاليون في ثياب ليبرالية، فهم الذين أصروا على التعيين وعدم الانتخاب.. ثم طلب الدكتور عوض من أصلاء هذه الأمة المشاركة الواسعة في الإعلام مؤكداً على أن من لا يسهم في الإعلام في هذه المرحلة فهو آثم. وأخيراً طالب بجمع الفتاوى التي تتحدث عن الحكم الشرعي بشأن الليبرالية ونشرها على الناس.. مع إنشاء مراكز بحث متخصصة لبيان حقيقة الليبرالية ومراميها وأهدافها وإلى أين وصلت.. ثم أكد أن من يسمون بالتنويريين في الساحة الإسلامية اليوم هم من أهل الدين لكنهم استغلوا من قبل الليبراليين (انتهى). الدكتور عوض يشهد له أنه متخصص في استثارة الأفراد والجموع وأخيراً الحكومات.. وواحدة من أهم وسائله هي التأليب والتحريض وتشويه الحقائق.. ولعل كتابه الشهير (الحداثة في ميزان الإسلام) مثال على توجهه الفكري.. وهو توجه يراه كثيرون تدميرياً إقصائياً.. لأنه لا ينطلق من منطلقات الباحث عن الحقيقة ولكن من منطلق الحزبي الذي يريد أن يلغي المخالف له في الرأي ويقصيه.. فهو يؤلب على الليبرالية ويدعي بأنهم يتقاسمون الأدوار كل من منطقته الجغرافية.. وهو يصف الليبراليين بأنهم يساريون ماركسيون.. على عكس الحقيقة تماماً فقد كانت الليبرالية عدواً لدوداً للفكر الستاليني تحديداً والأفكار الاشتراكية عموماً على مدار القرن الماضي.. لكنها الاستماتة على تشويه الحقائق كما فعل المرشح الأمي.. ثم يحرض الناس على المساهمة في الإعلام ضد الليبراليين وإلا فهم آثمون.. وأخيراً يطالب بجمع الفتاوى التي صدرت ضد الليبراليين وإصدارها في منشورات تعمم على الناس لفضح حقيقتهم ومراميهم في محاولة منه لاستعداء الناس ضدهم. الحقيقة أن الوسطي والليبرالي ينطلقان من ذات المرجعية ويتجهان إلى ذات الغاية.. ومع أنهما يقصدان الوصول إلى غايتهما من مدخلين مختلفين إلا أنهما يصدران من نفس المكان واختارا أن يتجها إلى نفس الوجهة.. وهذا تشابه كبير يجعلك تتفق مع من يقول إن الوسطية هي الليبرالية. والقول بأن الليبراليين والوسطيين يدخلان من مدخلين مختلفين فالمقصود أنهما مختلفان في نوعية الخطاب لا نوعية العمل ولا وسيلته ولا مواصفاته ولا حدوده.. فهي أمور محسومة لدى الوسطي والليبرالي على حد سواء.. فكلاهما يؤمن بالتوسيع على الناس من خلال التوسع في منح الحريات الشخصية. سؤال: هل المرحلة التنموية الكبرى التي تعيشها بلادنا بحاجة إلى مثل الدكتور عوض.. وهل أمثاله مفيدون للتنمية؟.. مجرد سؤال يحتاج إلى إجابة.