د.صالح بن مقبل العصيمي التميمي - الاقتصادية كان مجموعة من الرجال في مسجد من مساجد الكوفة يُمسكون بأيديهم حصى، فيقول بعضهم لبعض: كبروا مائة مرة، هللوا مائة، ومائة مثلها - سبحان الله، وهكذا تسبيح وتهليل وتكبير، ذِكْرٌ وعبادة. فتعجب من هذا الصنيع أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه-، فينكر في نفسه هذا الصنيع، مع أنه ما رأى كما قال إلا خيراً، فينطلق إلى ابن مسعود فهو أعلم منه، فيخبره بما رأى، فيسارع ابن مسعود بسؤاله: ماذا قلت لهم؟ فقال: ما قلت لهم شيئاً انتظاراً لرأيك وأمرك. فقال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت ألا يضيع من حسناتهم شيء. هذا الموقف دفع ابن مسعود إلى أن ينطلق هو وجمع من أصحابه إلى ذلك الجمع، ويسألهم: عن هذا الذي يصنعونه؟ فيقولون: نعد التهليل والتكبير والتسبيح. فيخبرهم إن أرادوا العد حقيقة، فليكن ذلك متعلقاً بالسيئات، ثم ينكر عليهم هذا الصنيع بقوله: ما أسرع ما هلكتم! مع أنكم تعيشون بين أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، وموته ليس عنكم ببعيد، وثيابه باقية، وآنيته لم تنكسر، فهل أنتم على ملة غير ملته، أم تريدون أن تفتحوا على الأمة باب ضلالة؟ فيتساءل بعضهم بتعجب: يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. ويقول آخر: إننا قوم نذكر ربنا، فيزيل ابن مسعود ما أثاروه من شبهة أن ما يصنعونه مزيد من الطاعة بقوله؛ وكم من مريد للخير لن يصيبه! ثم يقول: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) أورده ابن بطة وغيره قريباً من هذا اللفظ بسند صحيح. إن ابن مسعود لم يمنعهم من الذكر، وحاشاه أن يفعل ذلك، ولكن الطريقة التي سلكوها باستخدام الأسلوب الجماعي والحصى وأعداد معينة للذكر بلا دليل؛ فيها إحداث في الدين منهي عنه، وقد سبق ابن مسعود إلى منع العبادات المخالفة للأدلة الصحيحة عمرُ - رضي الله عنه - حيث ثبت عنه أنه كان يضرب من يراه يتنفل بالصلاة بعد العصر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن صلاة بعد العصر كما عند البخاري وغيره، وعمر لجأ للضرب؛ لأنه الخليفة من حقه الإنكار باليد، وكان ابن عباس أحد رجاله الذين يضربون معه، فهل يقول قائل: إن عمر وابن عباس يضربان الناس وهم يؤدون صلاة يريدون بها مزيداً من التقرب إلى الله؟ فيقال لمن قال ذلك: إن للعبادات صفات وأوقات معلومة، وليس من حق أحد أن يجتهد فيها، ولكي أزيل الإشكال عن قارئي المقال أقول لهم: هب أن إنساناً انطلق في شهر صفر متجهاً شطر المسجد الحرام وقد حمل معه بعض الحصى، فاتجه نحو منى لرمي الجمار، يريد أن يتقرب إلى الله بذلك، فهل يقول قائل: وماذا تنكرون عليه؟ وقد أراد برمي الجمار مزيداً من التقرب إلى الله. قطعاً لن يقول أحد عنده ذرة علم أو عقل مثل هذا، ولن نجد مبرراً له غير الجهل أو الجنون؛ لأن حكم هذا الأمر ظاهر لجميع الأمة، لذا أنكروه، وقد ظهرت آثار البدع للعلماء فأنكروها بسبب فهمهم لكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما فهم العامة مع العلماء بدعته من رمى الجمار في شهر صفر. ولو أن مسؤولاً أمر موظفيه بالدوام يوم الجمعة مخالفاً بذلك للنظام، بحجة أنه يريد مزيداً من الإنتاج، فهل سيُقر على هذه المخالفة أم سيُنكر عليه؟ لأنه شرع نظاماً يخالف ما أمر به ولي الأمر لا شك سيُنكر عليه، فكيف بمن شرع ما لم يأذن به الله، فلا شك إنه أولى بالإنكار عليه، فليس لأحدٍ أن يعبد الله إلا بما شرعَ، وقامت عليه الأدلة، وما سوى ذلك فهو مردود عليه. ولنا لقاء.