محمد صادق دياب * نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية كنت أحد الذين بادروا بالرد على الشيخ عايض القرني عبر مقالي المنشور في عدد الأحد الماضي بعنوان «القرني ونقاده وبائعة الفصفص»، حول رده في إحدى الفضائيات على منتقدي قصيدته (لا إله إلا الله)، التي أنشدها الفنان محمد عبده، وقوله: «لو أحضرنا عجوزا نيجيرية تبيع الفصفص البذور لعرفت في الشعر أفضل منهما»، ويقصد بذلك الكاتب قينان الغامدي، والروائي عبده خال، وأمس قرأت النص الذي نشره الشيخ عايض القرني في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «بائعة الفصفص»، يعتذر فيه لتلك البائعة التي مثل بها في البرنامج، مشيراً إلى أنه لم يقصد السخرية، بل قصد أن بيعها ل«الفصفص» أشغلها عن نظم الشعر، وقد تمنيت أن يعتذر الشيخ القرني من دون تبرير، فمن الناس من يخطئ، أو يخونه التعبير، أو تعتريه زلة لسان؟! ومع هذا لا بد من الإشارة إلى أن الاعتذار كان مؤثراً، وإنسانياً، خاصة وهو يختتمه بالقول: يا أمّنا عفوا فلستُ بساخرٍ والابن أهلٌ للحنانِ وإن جفا والصفحُ من شيم الكريم سجيةً لطفا بابنك إن هفا وتأسّفا. آمل أن يكون القرني قد أوفى بائعة «الفصفص» حقها في الاعتذار، وأخرج نفسه من دائرة ضيقة وضع فيها، أما في ما يتعلق بحساسيته من نقد قصيدته، فتلك مسألة أخرى، أولى به أن يتخلص من طغيانها، وأن يدرك أن المبالغة في الاعتداد بالقصيدة، وتخصيص جائزة مقدارها مليون ريال لمن يستطيع مجاراتها، وهو أمر غير مسبوق، ولم يتعوده الناس من الشعراء من قبل، ربما أتى بنتائج عكسية لما أراده، فاستفز البعض لقراءتها بروح «المفتش»، والبعض الآخر بروح الناقد، ولم تجد القصيدة من يتعامل معها بالعفوية أو التلقائية التي تعامل بها قصائد الآخرين. وللذين أشادوا بغايات القصيدة وأهدافها كل الحق، وللذين اختلفوا حول القيم الفنية للقصيدة كل الحق أيضا في التعبير عن آرائهم، فتلك مساحة شديدة القابلية للاختلاف، وتباين الرؤى، وتعدد وجهات النظر، فالشعراء من عصر امرئ القيس إلى عهد حمزة شحاتة، ليس ثمة أحد منهم «على رأسه ريشة» فسلم من النقد، بما فيهم الشاعر الكبير عمر «أبو ريشة». وفي النهاية يكفي الشيخ القرني أن يفخر بأنه الرائد في تجسير العلاقة بين الفن والدعاة لإيصال رسائل إنسانية وأخلاقية، ولتلك الريادة أثمانها، وكلفتها، وتضحياتها.