بين يدي رمضان، الكون كله يصلي لله تعالى، والأدعية الحارة تصعد إلى السماء بكل لغات الأرض، أن يحرس الله دينه، ومن يقوم على إقامة شريعته، وأن يخزي الله تعالى كل يد تمتد توقظ فتنة نائمة، أو تزهق نفسا بريئة، أو تنهب حقا مكتسبا. وبين يدي رمضان يتهادى المجتمع المسلم التهاني المباركات، في أجواء من الطمأنينة والسكينة والفرحة المتجددة مع كل فطر، ومع كل لقاء، ومع كل بسمة صادقة، تطفح على الشفاه التالية الذاكرة. وفجأة ينفجر الجسد الملغوم بالضلال والجهل والحقد الأسود، ينفجر وحده في صورة قبيحة موحشة، ولكنها تتضاءل أمام قبح ووحشية الفعل ذاته. إن من استمع إلى الحديث الهاتفي بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، والمجرم عبد الله عسيري، ليتضاعف في نفسه الأسى والألم الذي اشتعل في نفسه منذ أول وهلة سمع فيها النبأ، فكل كلمة نطق بها الأمير تحمل حبا للسلام، ورأفة بأبناء هذه البلاد، وسعيا لإطفاء الفتنة، وتأليف القلوب، وتشجيعا على العودة إلى الوطن، واللقاء بالأهل والأصحاب، وحراسة للضعيفين؛ المرأة والطفل، ونية حسنة في تألف هؤلاء الشباب، واستصلاحهم، وتحذيرا من الاستجابة لمن يريدون أن يستغلوهم ويجيشوهم ضد مجتمعهم وبلادهم، وكل كلمة نطق بها المجرم، تقطر غدرا، وتنوي شرا، وتمثل خطوة على طريق الموت الذي اختاره لنفسه. ولكن الله تعالى قال: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر 35/43]. إني لأضم صوتي إلى أصوات العلماء والدعاة والمسؤولين، والمخلصين من أبناء هذه البلاد المباركة، الذين توحدت أنفاسهم تجاه هذه الحادثة الشنيعة على نفس واحد، مستنكرين هذه الجريمة الآثمة، والمحاولة الغادرة لاغتيال سمو الأمير حرسه الله بعينه التي لا تنام، مهنئا سموه وكل محبيه على سلامته، داعيا له بدوام السلامة والعافية، وأن يحفظ المملكة وقادتها وأهلها من كل سوء ومكروه، ِوأن يرد عنها كيد الكائدين وعدوان المعتدين، وأن يحفظ أمنها ويزيد رخاءها باستمرار تمسكها بالإسلام وتحكيم شريعته وإتباع هدي رسوله الله- صلى الله عليه وسلم. إن التكفير هو أعظم مكونات فكر هذه الفئة الذي تعلنه وتروجه وتكفر به كثيراً من المسلمين حكاماً ومحكومين، وهذا فكر منحرف وباطل شرعاً ومخالف لهدي المصطفى- صلى الله عليه وسلم -الذي حذَّر من الاجتراء على التكفير وأبرز خطورته كما في قوله: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه» . وإن ما حدث ليمثل مآلات التكفير الفظيعة، وأنها لا حدود لها. والمسؤولية الكبرى التي يجب على جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، والقطاع الخيري أن تشترك فيها، هي الحرص على حماية شباب هؤلاء البلاد، من أن يغتروا بهذه المقولات الباطلة، والأفكار التدميرية، والمنهج التكفيري المنحرف، وإبعادهم تماما عن كل ما يمكن أن يشكل فرصة للتأثر بأدنى فكرة فيه، بل يجب أن يتربوا منذ نشأتهم على الرجوع إلى العلماء الراسخين والاعتصام بالكتاب المبين وسنة خاتم النبيين، والأخذ بوسطية الإسلام الصحيحة بعيداً عن الغلو والتشدد غير المشروع من جهة، والتسيب والتفريط بشرائع الإسلام من جهة أخرى. إن هذه الفئة الضالة بما تعتقده، والمجرمة بما تمارسه، مخالفة للمنهج الإسلامي الصحيح، وهي قلة شاذة مقارنة بالسواد الأعظم والغالبية الكبرى من أبناء المملكة والمقيمين فيها، ومن هنا فلا بد من رفض كل ربط بين فكر هذه الفئة وجرائمها وبين السمت الإسلامي العام للمجتمع، والمناهج والمقررات الإسلامية في المملكة في مؤسسات التعليم العام والعالي، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في سائر مناطق المملكة ومحافظاتها بإشراف من وزارة الشؤون الإسلامية ورعاية من أصحاب السمو أمراء المناطق وكبار المسؤولين، فبمثل هذه المناشط يحفظ الشباب والفتيات، وتستثمر أعمارهم. حفظ الله البلاد وقادتها وشعبها بما يحفظ به عباده الصالحين.