أتفرج أحيانا على برنامج احمد الشقيري خواطر على( MBC ). لم أفهم في البداية سبب جولته في اليابان وتمجيده لشعبها وهو الداعية الإسلامي واليابان دولة علمانية ذات خلفية بوذية. سكت له ورحت أتفرج لأعرف النهاية حتى ردد أخيرا مقولة سمعتها كثيرا: الشعب الياباني تقدم وتطور مع احتفاظه بتراثه وتقاليده. لا أعرف ما هي التقاليد والتراث التي احتفظ بها الشعب الياباني. هذه المقولة الزائفة لا يدانيها في الزيف سوى مقولة بعض كتاب الجرائد ابان الهجوم الأمريكي على العراق مستبشرين: أن اليابان العظيمة هذه هي ثمرة الاحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية. قراءة سريعة لتاريخ اليابان الحديث تنسف المقولتين. يستطيع الأخ الشقيري والآخرون أن يطلعوا على تاريخ اليابان الحديث في قوقل أو في كتاب صغير يشتريه أي منهم من موقع أمازون. كلام موجه للملايين يفترض أن يكون مغطى بقليل من المعرفة والخلفية العلمية. أستغرب من بعض الدعاة وكتاب الجرائد العرب إقامة نظريات كاملة ومشاريع حضارية على مقولات زائفة ينسفها ربع ساعة اطلاع. اليابان الحديثة بدأت من منتصف القرن التاسع عشر في العصر الذي أطلق عليه عصر ميجي ويعني التنوير. سمي كذلك عندما قرر الشعب الياباني أن يطلق الماضي. يقول التاريخ: (في سنة 1868 م تم إصدار (مرسوم) امبراطوري، نص على إعادة تنظيم عملية الحكم بطريقة ديمقراطية، ضمان الرخاء والسعادة للجميع، إبطال الأعراف والعادات القديمة، والعمل على نشر المعارف الغربية وتطبيقها في كل الميادين.) و(للإسراع في الإصلاحات، قام "إيواكورا تومومي" (من كبار مستشاري الامبراطور) بقيادة بعثة إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا عرفت ب"بعثة إيواك" بدأت الحكومة في جلب العديد من الخبراء والمهندسين - بلغ عددهم حوالي ال3000 حتى سنة 1890 م- من مختلف البلدان الغربية للمساعدة في تحديث البلاد. من بين الميادين التي شملتها الإصلاحات في المرحلة الأولى: التعليم، الحقوق، العلوم، والنظام السياسي. أصبح التعليم إجباريا على الجميع، صبيانا وبنات منذ 1868 م. في سنة 1872 م استحدث اليابانيون نظاما تعليميا جديدا مستوحى من النظامين الفرنسي والأمريكي، وفتحت أول جامعة أبوابها عام 1877 م. بالموازاة مع ذلك تمت ترجمة العديد من الأعمال الأدبية العالمية (الفرنسية والإنكليزية) وتدريسها ضمن المناهج الرسمية). بهذه الإصلاحات الشاملة تحولت اليابان من دولة متهالكة ضعيفة منكفئة على تراثها القديم تملي عليها القوى الكبرى شروط حياتها تحولت إلى قوة عصرية كبرى. هزمت الصين في الصراع حول كوريا وهزمت روسيا وهي من الدول الاستعمارية الكبرى. التوسع الياباني أدى في النهاية إلى الاصطدام مع الولاياتالمتحدة وانتهت كما نعرف جميعا إلى الاحتلال الأمريكي لليابان بعد صراع مرير دام أكثر من خمس سنوات استخدمت فيه كل الأسلحة المتطورة من الطرفين. أما ما قدمه الاحتلال الأمريكي لليابانيين ليس سوى:( هؤلاء الذين وضع لهم اسم جديد هو الديموقراطيين الأحرار الذين أطالوا عمر ممارسات السياسية التقليدية والولاء والاستخذاء أمام السلطة والهوية الريفية والشللية السياسية وشراء الأصوات)(انظر كتاب اليابان رؤية جديدة(باتريك سمث) عالم المعرفة الكويت. باختصار اليابان دولة غربية صرفة بأنوف شرق آسيوية. آسيا على نفس الطريق. كثير من التخلف الثقافي الذي نعاني منه يعود إلى المقولات الزائفة التي تتحول بفضل العمى الايدلوجي إلى حقائق.