حمد الماجد * الشرق الأوسط اللندنية في رمضان تصفد الشياطين، إلا أن شيطانا مريدا من «القاعدة» وفي ليلة رمضانية إيمانية وادعة أفلت من أصفاد الملاحقة الحكومية وأغلال المطاردة الأمنية ليحشو جسده المأزوم المريض بمتفجرات أراد بها اغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي، رجل الأمن القوي الذي وجه ضربات موجعة ل«القاعدة» ومنظومتها الإرهابية. بكل المقاييس فهذه ليست جريمة جبانة فحسب، بل عملية غبية تصب في غير صالح «القاعدة» وأتباعها، فمحاولة الاغتيال هذه ستزيد حتما من وتيرة انكماش دائرة تأييدها والتعاطف معها، لأن التأييد والتعاطف يكونان البيئة التي تفرخ فيها جراثيم «القاعدة» لتنشر أوبئتها المريضة بين الأسوياء. قديما كانت استراتيجية «القاعدة» ماكرة ومربكة، فقد كانت عملياتها في السعودية تستهدف كل ما له علاقة بأمريكا، مجمعات سكنية، أفراد، شركات، منشآت، وأحس البعض حينها أن هذا الاستهداف حلقة من سلسلة معارك ثأرية بين «القاعدة» وأمريكا تدور رحاها في ساحات عدد من الدول في العالم، والسعودية لا تعدو أن تكون واحدة من هذه الساحات، ولأن الشعوب العربية والإسلامية كانت غاضبة أصلا من سياسات أمريكا في عهد الرئيس بوش فقد وجدت «القاعدة» تعاطفا من شرائح، بعضها لا يتفق بالضرورة مع أيديولوجيتها، إلى أن وقعت «القاعدة» في أغبى أعمالها حين استهدفت مركزا أمنيا وسط العاصمة السعودية، ثم كانت الخطيئة الكبرى التي حسرت ما بقي من اللثام عن وجهها القبيح عندما خططت في محاولة فاشلة لتفجير مبنى وزارة الداخلية فتقلص التأييد لهذه القاعدة المارقة إلا من ندرة صوتها نشاز ومدو، إذن فمحاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف الأخيرة تُعتبر حلقة في سلسلة تخبطات جنونية غبية غير مدروسة العواقب. ولكي نتصور هذا التخبط القاعدي الغبي، دعونا نُلقِ الضوء على المسجونين في قضايا أمنية في السجون السعودية، سواء كانوا فعلا مجندين من القاعدة أو ممن تأثر بأيدلوجيتها وهم في ذلك بين مُقِلّ ومستكثر، أو الفئة التي حُشرت معهم بسبب تصرفات خاطئة وهم في الحقيقة ليسو منهم، فالمعروف أن ملف هؤلاء الموقوفين يتأبطه بكامل أوراقه الأمير محمد بن نايف، وبعض المحللين يرون أن إحدى غايات استهداف حياته هو الثأر أو إظهار الغضب لاحتجاز هؤلاء الموقوفين، فإن كان ذلك كذلك، فهذا سيزيد الآن من قناعة الأمير محمد بن نايف بتمديد وقفهم، وبالتالي، من شأنه أيضا أن يضعف جدلية مؤسستَي حقوق الإنسان السعوديتين اللتين ما فتئتا قبل هذا الحدث تحاوران وتكاتبان وزارة الداخلية حول ضرورة الإسراع بمحاكمات الموقوفين أمنيا أو إطلاق سراحهم، والآن لنترك لخيال من خطط لهذه الجريمة الغبية أي وضع سيئ ستتركه على موقوفيهم. لا بد أن القاعدة بجريمتها الشنيعة والغبية في محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف قد أدركت الآن أن الذي يتعامل مع ملف مسجونيها واعتاد في السابق أن تأتيه تقارير ميدانية عن أعمال أفراد عصابتها الإرهابية قد أصبح هذه المرة الضحية والراوي لتفاصيل جريمتهم، «وليس راءٍ كمن سمعا»، لا في حربهم ولا في الاجتهاد في استئصال شأفتهم ولا العمل الدؤوب لتجفيف منابعهم، ولا في التأييد الشعبي السعودي المتوقع لكل هذه الإجراءات، لأنه ينطلق من ذات التأييد الذي أبداه الشعب السعودي بعفوية لافتة تجاه محمد بن نايف.