عبدالرحمن الراشد * الشرق الأوسط اللندنية كانت خطوة استباقية ضرورية عندما نصحت وزارة الصحة السعودية بأن يمتنع هذا الموسم من العمرة والحج الصغار وكبار السن والمرضى في ظل ظهور وباء إنفلونزا الخنازير في كل مكان من العالم. مسألة احترازية تهون محاصرة المشكلة. مع هذا في ذهن المسؤولين هواجس خطيرة من أن الوباء، رغم محدوديته اليوم، حاليا هو بلا لقاح يحمي الإنسان، ولا علاج مؤكد، والخشية أعظم بأن يتحول الفيروس فيصبح أكثر خطورة، ونصبح جميعا في مواجهة وباء قاتل. في مكةالمكرمة التحدي أكبر من أي مكان آخر في العالم. يفد إلى المدينة المقدسة من أنحاء العالم ملايين المعتمرين معظم أشهر السنة، ويزداد التحدي عندما يحجون إليها في موسمها الأكبر بعد أربعة أشهر من الآن فقط. وقف العمرة، وتعطيل الحج، خيار مستحيل، كما أن منع الوافدين من الدول المصابة صار غير ممكن بعد أن انتشر الداء إلى أكثر من ثلث دول العالم. أعرف أن هناك رأيا يهون من خطر إنفلونزا الخنازير على اعتبار أن أضراره، وقتلاه سبعمائة شخص فقط، أي أقل من ضحايا الإنفلونزا العادية، وهذا صحيح إنما هذا رأي يجوز لمن لا مسؤولية عنده، يجوز للمتفرج أن يجلس ويرى كيف تسفر الأزمة الصحية العالمية عنه لاحقا، لكن لا يستطيع المسؤولون عن الصحة في العالم ترك الأمور للنظريات والجدل فقط. الإنفلونزا الإسبانية قتلت أربعين مليون إنسان في ثلاثة أشهر فقط في القرن الماضي. والمشكلة أعظم في مكة، قبلة مليار مسلم، ومحج ثلاثة ملايين يأتونها من أنحاء العالم، إضافة إلى أكثر من عشرين مليون معتمر من الداخل والخارج. وما دامت الجهات الصحية بدأت بشكل صريح تعلن عن تحذيراتها من الوباء الجديد، وبعد أن ظهرت عدة حالات مصاحبة للعمرة في مكة، فإن التشدد في منح التأشيرات للحجاج والمعتمرين ربما ضرورة لتقليل المخاطر. وكلنا نعرف أن الحج يسبب إشكالا سياسيا، ليس فقط للدولة الراعية مثل المملكة العربية السعودية، بل أيضا للدول الإسلامية التي تتحاشى منع حجيجها، أو تقليص عددهم، أو فرض المزيد من الشروط عليهم. هذه الحساسيات والمخاوف المتبادلة تستوجب المزيد من الصراحة بين الجانبين. فالدول التي يخرج منها المعتمرون والحجاج تخاف من عودتهم إليها مصابين بالداء. أيضا، الدولة الراعية للحج تخشى أن يصل إلى الأراضي المقدسة حجاج مصابون ينشرون المرض إلى ملايين الحجاج في مكة أو المدن التي يعبرون منها. ومهما تحدثنا عن وسائل الحماية والرصد الوقائي والحجر الصحي والأدوية فإن المخاطر أكبر لو زادت شراسة الوباء. لا بد من الاعتراف بأن هذا عام استثنائي يستوجب من مؤسسات معنية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي مع الدولة الراعية، تدارس كيفية معالجة أسوأ الاحتمالات، والتصدي لها بالاعتراف بالمخاوف واتخاذ الاحتياطات.