د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية جاء في جريدة "الاقتصادية" يوم الثلاثاء 16/6/1430ه خبر مفاده: (حددت شركة السوق المالية السعودية "تداول" السبت المقبل موعداً لإطلاق سوق الصكوك والسندات الآلي، وذلك بعد أن أكملت "تداول" التجهيزات والاختبارات الفنية لهذه السوق) وهل تعني "تداول" بذلك: إطلاق سوق السندات الإسلامية "الصكوك", أم السندات التقليدية؟ حقيقة لا أدري.., ولكني أحسن الظن بالمسؤولين في الشركة, وفي هيئة سوق المال. ولا أظنه يخفى على متابع أن المجامع الفقهية ولجان الفتوى في طول العالم الإسلامي وعرضه, كلها منعت من إصدار السندات التقليدية, ومن تداولها بيعاً وشراء, فمثلاً جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي, جاء فيه قرار خاص بالسندات, ونصه: "أولاً: إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية, سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة, أو عامة ترتبط بالدولة, ولا أثر لتسميتها شهادات, أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً. ثانياً: تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. ثالثاً: كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز، باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة إلى مجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلاً عن شبهة القمار. رابعاً: من البدائل للسندات المحرمة- إصداراً أو شراءً أو تداولاً-: السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة, لمشروع أو نشاط استثماري معين، حيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك، ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلاً"أه. لقد بيَّن قرار المجمع الموقف الفقهي من السندات التقليدية, وفي الوقت ذاته أعطى بديلاً للسندات, وهي الصكوك أو السندات القائمة على أساس المضاربة, مع تنبيه قرار المجمع أن تغيير اسم السند مع بقاء مضمونه لا يغيِّر من الحقيقة شيئا, في إشارة واضحة إلى أن إعطاء السندات التقليدية الصبغة الإسلامية لا يغير من حكمها الشرعي, بالضبط كتسمية الخمور بالمشروبات الروحية. والمشكلة حين تجني بعض الهيئات الشرعية على سوق الصكوك الإسلامية, وذلك بإعطائها الصبغة الإسلامية للسندات التقليدية, ثم إذا انكشف الغطاء, وظهرت للناس الحقيقة, تسللت الشكوك إلى هذه الصناعة, وربما كان ذلك سبباً في انهيار الثقة في الصكوك الإسلامية, والمشكلة ليست في الصكوك الإسلامية, وإنما في الفتاوى التي ألبست السندات لبوس الصكوك, وهي منها براء, وهنا تقع الفتنة (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين). ومن حسن الحظ أن الذاكرة لا تنسى ما أطلقه الشيخ تقي العثماني (رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة بالبحرين) حول الصكوك الإسلامية, حين قال: "إن نحواً من 85 في المائة من الصكوك الصادرة من المؤسسات المالية الإسلامية غير ملتزمة بالأحكام الشرعية..!"، وقد كان تصريحه هذا جريئاً ومدوياً, حيث تضررت الصكوك, وانخفض سوقها عام 2008م بنسبة 59 في المائة عن إجمالي نفس الفترة من عام 2007م، كما صرح ذلك عديد من المصادر الصحافية..! والعتب ليس على الشيخ في إصدار هذا النبأ, وإنما فيمن أعطى الشرعية لسندات ربوية, كما هو الحال في التورق المنظم الذي منعت منه المجامع الفقهية, ولا يزال بعض مهندسي التورق من أعضاء الهيئات الشرعية يعطونه الصبغة الإسلامية, وهو حيلة واضحة على الربا, عياذاً بالله تعالى...! إن الصكوك الإسلامية (الحقيقية) تعزز الاستثمار الحقيقي, وتكرس الشراكة, وتساعد على تدويل المال بين الأغنياء والفقراء, ويقتسم فيها الجميع الربح والخسارة, أما السندات التقليدية, فهي تعزز من استثمار النقود في النقود ذاتها, وتخلق طفيليات تعيش على امتصاص الدماء الحية.