"سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



85% من الصكوك الإسلامية المتداولة في الأسواق العالمية مغلفة بالربا
الشيخ المنيع يشرح الواقع ويقدم الحلول

يقدم فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء دراسة نقدية لواقع بعض المشاريع والصكوك التي يطلق عليها لقب "إسلامية" والصيرفة الإسلامية منها براء، مستشهدا بواقع عاشه فضيلته كأحد أعضاء الهيئة الشرعية، وكيف أنه اكتشف الصيغة الربوية المظللة لتقديم منتجات على أنها ذات صبغة شرعية وهي مزيفة في الأصل، ولا تنطبق عليها أحكام الصيرفة الإسلامية.
وشرح الشيخ المنيع كيف تبين فيما بعد لأحد أعضاء الهيئة الشرعية بطلان مثل تلك الصكوك التي تدعي إسلاميتها.
ويشرح فضيلته الواقع الذي يجب أن تكون عليه الصيرفة الإسلامية في إصدار الصكوك، وقد استهل الشيخ المنيع حديثه قائلا:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسول الله الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
فلقد منَّ الله علينا معشر عباد الله بأن يسر لنا أبواب الرزق والاكتساب، فقد قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وحرم سبحانه أكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وأغلق عنا أبواب الاكتساب الآثمة كالربا والقمار والغش والتدليس والغرر والجهالة وبيوع الاختيارات والبيوع الوهمية. وفتح الله لعباده الكثير من منتجات الاكتساب الشرعي كبيوع الأمانة - المرابحة، المواضعة، التولية - وبيوع المساومة وعقود الايجار والمشاركة وبيوع السلم وعقود الاستصناع وعقود المساقاة والمزارعة والمضاربة وغير ذلك من منتجات الاستثمار المباح كالصكوك الإسلامية.
وموضوع محاضرتنا الصكوك الإسلامية وكيف أنها بدأت ببدء كان فيه الكثير من التجاوزات والأخطاء، والسير بها في طريق مواز للمصرفية التقليدية. ثم صار من القائمين عليها قياماً شرعياً تصحيح الاتجاه بها لتكون منتجاً إسلامياً، فأستعين بالله وأبدأ القول:
الصكوك جمع صك وهو وثيقة ثبوتية تشهد لحاملها بملكيته جزءاً مشاعاً لمحتويات وعاء هذه الصكوك من أصول ونقود وديون والتزامات ومنافع وخدمات.
والصك في اللغة له معنيان أحدهما بمعنى الضرب قال ابن فارس في معجمه: الصاد والكاف أصل يدل على تلاقي شيئين بقوة وشدة حتى كأن أحدهما يضرب الآخر. من ذلك قولهم: صككت الشيء صكاً، وصك الباب أغلقه اه ومن ذلك قول الله تعالى: (فصكت وجهها).
والمعنى الآخر هو كتاب الإقرار بالمال أو بغيره. وهي كلمة معربة عن الفارسية قال ابن منظور في لسان العرب: والصك الكتاب فارسي معرب وجمعه أصك وصكوك وصِكاك. قال ابن منصور: والصك الذي يكتب للعهدة معرب أصله جَكّ ويجمع صكاكاً وصكوكاً. .
وأما معنى الصك في الاصطلاح الشرعي فقد نقل الأستاذ حامد ميرة في كتابه صكوك الإجازة تعريفاً للصك من معجم الاصطلاحات الاقتصادية والإسلامية للدكتور علي جمعة فقال: الصكوك جمع صك والصك عند أهل الاختصاص من القانونيين والاقتصاديين قريب من معناه اللغوية. حيث يطلق الصك عندهم على الوثيقة التي تتضمن إثباتاً لحق من الحقوق كما يطلق مصطلح الصك على الكتاب الذي يكتب فيه وقائع الدعوى وما يتعلق بها من الٍإقرارات وغيرها.
والصك من الصكوك الاستثمارية يكاد يكون مرادفاً لمعنى الوحدة الاستثمارية في الصنادق الاستثمارية. فكلاهما وثيقة لإثبات تملك حاملها جزءاً مشاعاً من موجودات صندوق الاستثمار، أو من موجودات وعاء الصكوك. إلا أن الصكوك مهيأة لتداولها بيعاً وشراءً في أسواق البورصات العالمية. إذ هي بديل شرعي عن السندات النقدية المبنية على الاقتراض الربوي. أما الوحدات الاستثمارية في الصنادق الاستثمارية فليس لها قوة الصكوك من حيث التداول العام وإنما يتم تسييلها عن طريق الاسترداد بواسطة مدير الصندوق. وهو أي الاسترداد عملية محصورة بين مالك الوحدة ومدير صندوق هذه الوحدات. ولا يظهر لي فارق مؤثر بين الصك والوحدة من حيث قوة الصك للتداول العام وعجز الوحدة عن التداول ولكنه الاصطلاح على ذلك ولا مشاحة في الاصطلاح.
والباعث لايجاد هذه المنتجات الاستثمارية - الصكوك الإسلامية - هو الخروج بها عن التعامل بالسندات الحكومية أو سندات المؤسسات المالية المعتمدة على الاقتراض الربوي والفائدة الدورية. لأجل طويل الأمد نسبياً يجري في نهاية مدته اطفاؤها - سدادها -.
وأول من أخذ بها - الصكوك الإسلامية - فيما أعلم احدى الدول الخليجية حيث اشترى البنك المركزي من الحكومة مرفقاً من مرافقها بمبلغ تجاوز المليار دولار بشرطين أحدهما أن تقوم الجهة المالكة له بعد الشراء بتأجيره على الحكومة مدة معينة تقارب عشر سنوات. وبأجرة سنوية متغيرة يحكمها مؤشر مالي معين كمؤشر لايبر مثلاً. الشرط الثاني بعد انتهاء مدة العقد يلتزم المالك - إدارة حملة الصكوك - بإعادته إلى الحكومة على سبيل بيعه عليها بالثمن الذي باعته به الدولة ثم قام البنك المركزي بعد شراء المرفق من الحكومة بتصكيكه. وبيع الصكوك على الراغبين في شرائها برأسمال مشترى البنك المركزي من الحكومة علاوة على رسم إصدار لصالح البنك على كل صك. والأجرة الدورية هي عائد الصكوك يوزع منه على حملة الصكوك. وفق مؤشر لايبر. وما زاد عن المؤشر يستحقه المدير بدعوى أنه حافز حسن أداء. ويستمر الأمر حتى يتم اطفاؤها ببيعها. ويقوم البنك المركزي بإدارة هذه الصكوك نيابة عن حملتها بأجر معين. وهذه الصكوك بعد تملكها من قبل ملاكها مهيأة لتداولها في الأسواق المالية بيعاً وشراءً. وقد انتشر الاستثمار بمثل هذه الصكوك في الأسواق المالية الخليجية وامتد ذلك إلى أسواق مالية أخرى في الدول الإسلامية وفي غيرها من أسواق العالم. وبمثل هذه الصيغة وقد شكل هذا البنك سوق الصكوك الإسلامية هيئة شرعية كنت أحد أعضائها ومن أعضائها الشيخان محمد تقي العثماني والدكتور عبدالستار أبوغدة. وبمفاجأة هذه الهيئة بهذه الصيغة للاستثمار انطلت على الهيئة الشرعية المآخذ الشرعية على هذه الصيغة. فاغترت الهيئة بلمعتها وبريقها وسرابها دون التأمل في حقيقتها. وأصدرت فتوى بإجازتها وانتفاء ما يعترض به عليها من الجانب الشرعي. وبعد انتشارها في الأسواق بهذه الصيغة وتوجيه مبالغ كبيرة قيل عن حجمها بأنها تجاوزت ثلاثين مليار دولار. وذلك للاستثمار بها عن طريقها. ظهر أنها صيغة ربوية مظللة بصيغة شرعية مزيفة وبدعوى إسلاميتها. كما ظهر أن أصول هذه الصكوك أصول وهمية من حيث تملك حاملي الصكوك لهذه الأصول. وان حقيقة هذه الأصول لوعاء هذه الصكوك نقود مقترضة بفائدة ربوية هي العائد الدوري وفق مؤشر معين كلايبر مثلاً مظللة بظلال الإجازة ولمدة معينة يجري بعد انتهائها إطفاؤها - سدادها - كما ظهر أن تداولها اثناء مدة سريانها كتداول السندات النقدية سواء بسواء. فأعلنت بصفتي أحد أعضاء الهيئة الشرعية المجيزة لها أعلنت في أكثر من مجال إعلامي رجوعي عن الإفتاء بصحتها والبراءة من القول بإجازتها كصيغة شرعية للاستثمار.
وفي مؤتمر اقتصادي في البحرين أعلن الشيخ تقي العثماني وهو أحد أعضاء الهيئة الشرعية لهذه الصكوك - أعلن أن هذه الصكوك بهذه الصيغة المغلفة للربا صيغة ربوية وأن التعامل بها تعامل بالسندات النقدية بيعاً وشراءً وتداولاً. كما أن التعامل بالصكوك الإسلامية في الأسواق العالمية تمثل هذه الصيغة المغلفة للربا نسبة لا تقل عن 85٪ من كامل الصكوك الإسلامية المتبادلة عالمياً. وسبق الشيخ تقي العثماني - في تعرية هذه الصيغة المغلفة للربا - اقتصادي ياباني أعلن في أكثر من مجال إعلامي نقده لهذه الصيغة وأنها لا تختلف عن السندات النقدية وأن عقود البيع والإيجار وإعادة البيع عقود صورية وهمية لا يثبت لواحد منها أي حكم من أحكامه المبنية على الحقيقة العقدية. وقد كان مني سبق الإثنين الاقتصادي الياباني والشيخ تقي العثماني في نقد هذه الصكوك الموسومة بالإسلامية زوراً وتغريراً والبراءة من إجازتها.
ووجه القول بصورية هذه الصيغة وأنها تطبيق لصيغ السندات النقدية من حيث الواقع وإن اختلفت عنها من حيث الشكل ومن حيث التسمية بمصطلح شرعي عارٍ عن حقيقة هذا المصطلح. وجه ذلك يتضح فيما يلي:
السند النقدي وثيقة بإقراض حامله الجهة المصدرة له المبلغ المذكور في السند لمدة معينة يجري دفع عائد دوري لحامله حتى نهاية مدته وسداده.
والصك الإسلامي بهذه الصيغة المنتقدة وثيقة بتملك وهمي لحصة مشاعة في أصل من الأصول المباعة على إدارة هذه الصكوك بيعاً صورياً ليس له من أحكام البيع الحقيقي وشروطه أي أثر أو تأثير.
فهذا الأصل لا حقيقة له في عقد الشراء من حيث انتقال ملكيته إلى حملة الصكوك. فهو انتقال صوري. وقيمته في واقعها إقراض من مصدر الصكوك للجهة التي قدمت هذا الأصل لبيعه بيعاً صورياً. حيث لا نستطيع إدارة هذه الصكوك أن تتصرف في هذا الأصل بأي تصرف يتصرف مثله المالك في ملكه. وتأتي الإجارة الملزمة لمصدر الصكوك للجهة المالكة للأصل والتي باعته بيعاً صورياً لتشكل هذه الإجارة الوهمية وجهاً حقيقياً للفائدة الربوية الدورية باعتبارها أجرة هذا الأصل تغريراً وتضليلاً. وتستمر هذه الإجارة الساترة للفائدة الربوية مدة التعاقد الإيجاري لهذا الأصل. وبعد انقضاء مدة الإجارة تأتي مرحلة إعادة الأصل إلي مالكه الحقيقي وبالقيمة التي دفعها لمصدر الصكوك تنفيذاً للالتزام لبائع الأصل بإعادته له على سبيل الشراء الوهمي. فهذه المرحلة هي المرحلة المشابهة لسداد السندات في منتج السندات الاستثمارية بعد انتهاء مدة إقراضها. وفي الصيغة صورة لاكمال صورة شبه هذه الصكوك بالسندات النقدية. هذه الصورة هي إن ادارة هذه الصكوك لا تعطي حملة الصكوك عائدهم الإيجاري الدوري إلا وفق مؤشر معين كمؤشر لايبر. وما زاد عن ذلك بعد حسم المصاريف بما في ذلك أجر إدارتها فليس لحامل الصك حق فيه وإنما هو لمدير الصكوك بدعوى أنه حافز لأدائه فالعائد للسندات ثابت مدة بقائها ديناً والعائد للصكوك شبه ثابت مدة الإجارة الوهمية.
وبهذا نستطيع ان نؤكد بكل قناعة وثقة أن السندات النقدية وما يسمى بالصكوك الإسلامية بالصيغة المذكورة وجهان لعملة واحدة واختلاف وجه إحداهما عن الأخرى من حيث الشكل لا أثر له في هوية العملة وقيمتها وقوة إبرائها. وللقناعة بهذا فقد صدر من المجلس الشرعي التابع لهيئة المراجعة والمحاسبة بيان للصيغة الشرعية التي يجب أن تكون الصكوك الإسلامية وفقها هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن المجلس الشرعي في اجتماعه التاسع عشر المنعقد بمكة المكرمة بتاريخ 26 شعبان سنة 1428ه الموافق 8 سبتمبر 2007م وبعد دراسة الورقة المعدة من قبل فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني في موضوع الصكوك وتطبيقاتها المعاصرة التي فوض إليه إعدادها في الاجتماع الثامن عشر المنعقد بالمدينة المنورة، وبعد المناقشات التي دارت حولها، قرر ما يلي:
أولاً: ينبغي إصدار الصكوك على أساس مشروعات تجارية أو صناعية جديدة يساهم فيها حملة الصكوك، وإن صدرت على أساس مشروع قائم فالواجب أن تمثل الصكوك ملكية تامة لحملتها في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم حقوقاً معنوية.
ويتفرع عن ذلك ما يأتي:
1- إذا كانت الصكوك تمثل إيرادات فقط دون الأصول فلا يجوز إصدارها ولا الدخول فيها ولا تداولها.
2- إذا كانت الصكوك تمثل أسهم الشركات فلا بد من تسجيلها باسم حملة الصكوك أو من يمثلهم، ولا تكفي ملكية الحق في أرباح الأسهم فقط (Beneficial ownership) لكونها في هذه الحالة لا تمثل إلا الايرادات.
3- تسجيل الملكية باسم حملة الصكوك أو من يمثلهم، وفي حالة تعذر ذلك يجب الحصول على سند ضد يعترف به القانون لنقل غنمِ الموجودات وغرمها إلى حملة الصكوك أو إلى من يمثلهم.
4- لا يجوز أن يشتمل عقد نقل الملكية إلى حملة الصكوك أو من يمثلهم على شرط تأجير العين بعد البيع إلى ناقل الملكية ولا على شرط وعد المستأجر بشرائها.
5- لا يجوز بيع الديون كديون المرابحة إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها أو موجودات محفظة قائمة لديها سابقاً ولها ذمة مالية، أو باعت حصة شائعة من موجوداتها، فحينئذ تدخل الديون تابعة للأعيان والمنافع فهي غير مقصودة في الأصل وذلك بضوابط مذكورة في المعيار الشرعي رقم (21) بشأن الأوراق المالية (الأسهم والسندات).
ثانياً: يجب أن توزع عوائد المشروع على حملة الصكوك بالغة ما بلغت بعد حسم المصروفات بما فيها من أجرة المدير أو حصة المضارب في الربح، ولئن كان هناك حافز للمدير فإما أن يكون على أساس الربح المتوقع بحيث إذا زاد الربح الفعلي على الربح المتوقع حسب دراسة الجدوى فيكون له ما زاد، وأما إذا كان هناك توزيع دوري على حملة الصكوك على أساس مؤشر فيجب أن يكون التوزيع تحت الحساب وخاضعاً للتصفية النهائية عند إطفاء الصكوك.
وما تحقق من الربح الفعلي زائداً على المؤشر ينبغي أن يحتفظ به كلياً أو جزئياً ليكون احتياطياً للتوزيعات الدورية المستقبلة ولدرء الخسائر.
ثالثاً: لا يجوز للمدير سواء أكان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار ان يلتزم بتقديم قرض إلى حملة الصكوك عند نقص الربح الفعلي من الربح المتوقع، وله أن يغطي النقص من الاحتياطي المشار إليه أعلاه إن وجد أو بتمويل شرعي على حساب حملة الصكوك بشرط أن يكون ذلك منصوصاً عليه في نشرة الاكتتاب.
رابعاً: يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى بجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود وتراقب طرق تطبيقها والتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بمتطلبات الشريعة بما فيها الضواط السابقة.
خامساً: سبق أن نص المجلس الشرعي في المعيار الشرعي رقم (12) بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة البند 3/1/6/2، وفي المعيار الشرعي رقم (5) بشأن الضمانات البند 2/2/1، و2/2/2، أنه لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول بقيمتها الاسمية، بل يجب أن يكون الشراء على أساس صافي قيمة الأصول (القيمة السوقية) أو بثمن يتفق عليه عند الشراء. .
هذا البيان من المجلس صحح المسار الذي يجب أن تسير الصكوك الإسلامية وفقه إلا ما جاء في ثانياً من البيان حيث جاء فيه ما نصه: ولئن كان هناك حافز للمدير فإما أن يكون من أساس الربح المتوقع بحيث إذا زاد الربح الفعلي عن الربح المتوقع حسب دراسة الجدوى فيكون له ما زاد. اه ولو كانت العبارة بهذا النص:
ولئن كان هناك حافز للمدير فإما أن يكون من أساس الربح المتوقع بحيث إذا زاد الربح الفعلي عن الربح المتوقع حسب دراسة الجدوى فيكون للمدير حق حفز على حسن الأداء من ذلك المبلغ الزائد على الربح المتوقع وذلك بنسبة منه يقررها مجلس إدارة صندوق حملة الصكوك عند التصفية النهائية للصندوق. على ألا تزيد هذه النسبة الحفزية عن معقول المكافأة. وبشرط أن يكون عمل المدبر حسن الأداء.
وسيأتي في آخر المحاضرة ذكر وجه هذا الاعتراض.
الفرق بين الصكوك والوحدات في الصنادق الاستثمارية وأسهم الشركات:
الواقع أن هذه الأنواع من المنتجات الاستثمارية - أسهم الشركات، وحدات صناديق الاستثمار، الصكوك الإسلامية - يجمعها قاسم مشترك يتضح فيما يلي:
1- وجود أصول حقيقية للصكوك والوحدات والأسهم. هذه الأصول هي محل الاستثمار.
2- هذه الأصول وهي موجودات هذه المنتجات الاستثمارية مملوكة لأهلها ملكاً مطلقاً لكل صك أو سهم أو وحدة ملكيته المشاعة في الموجودات بقدرها.
3- السهم أو الصك أو الوحدة وثيقة إثبات لتملك الحصة المشاعة في الموجودات لا أن الملكية منحصرة في السهم أو الوحدة أو الصك.
4- الربح من عمليات الاستثمار في هذه المنتجات - الشركة، الصندوق، الصكوك - بعد حسم المصاريف ملك لحملتها.
5- الالتزام الناتج من النشاط الاستثماري في هذه المنتجات محدود المسئولية في موجوداتها بقدر ملكية كل واحد منها - السهم، الوحدة، الصك.
6- اختصاص ملاكها في حال التصفية بصافي تصفيتها كل بحسب ملكيته فيها.
7- لهذه المنتجات إدارة تختص بتدوير نشاطها وفق اختصاص تقرره جمعيتها العامة أو مجلس ادارتها.
وتجتمع الصكوك مع أسهم الشركات في توزيع عائد دوري على ملاكها. وفي مرونتها للتداول العام في الأسواق المختصة.
وتختلف أسهم الشركات عن الصكوك في أن الشركات غير محددة بزمن فهي باقية مدة صلاحيتها للبقاء أما الصكوك فهي محددة بمدة معينة تجري في نهايتها تصفيتها.
وتنفرد الوحدات الاستثمارية في صنادق الاستثمار عن الأسهم والصكوك بمبدأ الاسترداد دون التداول العام. وبعدم توزيع عائد دوري - في الغالب - حيث إن العائد يضم إلى رأس المال لتقدير التقويم الدوري للوحدات تيسيراً للدخول والخروج. وهذا الإجراء في الغالب يكون في الصنادق الاستثمارية المفتوحة غير المؤجلة بوقت معين. أما الصندوق المغلقة فالغالب أن مدير الصندوق لا يقوم بتقسيم رأسمال الصندوق إلى وحدات. وإنما يعتبر كل مشترك رب مال يجري تنضيض اشتراكه عند نهاية مدة الصندوق. وقد يكون في نشرة الصندوق تخيير كل مشترك في أخذ ما يقابل العائد على سبيل محاسبته عند التصفية النهائية أو في ابقائه لاستثماره له مع أصله.
ولا يفوتني قبل ختام هذه المحاضرة أن أذكر رأيي في الاعتراض على أخذ مدير ادارة صندوق الصكوك ومثل ذلك مدراء صناديق الاستثمار ما زاد عن الربح المتوقع بدعوى انه حافز حسن أداء.
اتجه مجموعة من فقهاء المصرفية الإسلامية إلى جواز أن يقوم مدير الصندوق الاستثماري أو الصكوك الإسلامية بتقدير نسبة معينة من الأرباح تكون حقاً لمالكي الصكوك أو الوحدات. وفي حال وجود زيادة على هذه النسبة تكون هذه لازيادة حقاً للمدير علاوة على أجرته المقررة له. وذلك مكافأة له على حسن الأداء. وقال القائلون بأخذ هذه الزيادة في تعليل أخذها ان مدير الصندوق لا يأخذ أجرته التي يستحقها عمله. وإنما يأخذ أجراً رمزياً طمعاً في نسبة الحافز. وهو بذلك يجتهد لتحصيل هذا الحافز وتكثيره. والذي يظهر لي أن هذا الاجراء نتيجة التأثر برواسب الفائدة الربوية التي هي موازية للعائد الثابت لكل صك في حال تجاوز الربح المؤشر المصطلح على التقيد به في العائد.
ووجه الاعتراض على هذا أن مدير صندوق الوحدات الاستثمارية أو الصكوك أجير بأجرة جرى الاتفاق على تقديرها وتعيينها والرضا بها. وهي من المصاريف على الصندوق. وما يحصل للصندوق من صافي العوائد فقد حصلت من تقليب رأسمال الصندوق في الصفقات والنشاطات الاستثمارية. فبأي حق يكون لمدير الصندوق ما زاد عن نسبة معينة من العائد والحال أنه أجير أخذ أجرته؟ والقول بأن هذه الأجرة قليلة. فقد رضي بها. وله حق طلب الأجرة التي يرتضيها إذا كانت غير كافية. والقول بأن هذا اتفاق بين مدير الصندوق وأرباب المال قول يحتاج إلى حقيقة. فالواقع أن هذا ليس اتفاقاً وإنما هو تنظيم قبل وجود حملة الصكوك. هذا التنظيم يجب أن يكون تنظيماً عادلاً يعطي كل ذي حق حقه. والقول بأن النشرة في قوة الاتفاق غير ظاهر. حيث إن مثل هذه النشرة في قوة الاتفاقية التعسفية المبنية على الإذعان. والعدل يقتضي أن تكون اتفاقية عادلة مبنية على الوضوح والشفافية والبعد عن التغرير بالآخرين وتقرير حق كل طرف بما تقتضيه العدل.
وبناءً على هذا فأرى أن من إصلاح اجراءات العمل بالصكوك لتكون صكوكاً إسلامية صدقاً وعدلاً التخلي عن اشتراط أن يكون للمدير ما زاد عن نسبة معينة في صافي الربح. فصافي الربح حق لأرباب الأموال وليس للمدير حق فيه إلا ما كان في نطاق المعقول كجزء من صافي الأرباح مكافأة له على حسن الأداء إن كان حسن الأداء وبطيب نفس من أهله بعد حصول مقتضاه ثم إن حسن الأداء لا يعرف إلا بعد العمل فقد يكون أداؤه ممتازاً أو جيداً أو متوسط الأداء أو أنه سيئ الأداء والمكافأة يجب أن تكون على قدر حسن الأداء. فعلى توجه استحقاقها فيجب أن تكون على قدر الأداء. وإذا كان مدير الصندوق يرى أن أجره على عمله قليل فله الحق أن يطلب الأجر الذي يكافئ عمله. أما ان تكون المسألة مبنية على تغرير أرباب الأموال من حيث دعوى أن أجرة الإدارة قليلة جداً بينما نصيب الأسد يأخذه المدير من الخلف بدعوى أن ذلك مكافأة له على حسن الأداء. فهذا تغرير بأصحاب الأموال وظلم لهم ومجاراة للمصرفية التقليدية بثبات العائد وهذا مما لا يجوز أن ينسب إلى المنتجات الاستثمارية الإسلامية.
ثم إن القول بتقدير عائد شبه ثابت للصكوك وأخذ مدراء صناديقها ما زاد عن المؤشر بدعوى الحفز لحسن الأداء هذا القول والإجراء بموجبه يفقد الصكوك في الأسواق المالية عنصر التأثر في السعر ارتفاعاً وانخفاضاً وبالتالي تفقد الصكوك ميزة عرضها في الأسواق والتشوف لشرائها طمعاً في ارتفاع أسعار أصولها ومن ثم ارتفاع سعر وحداتها وزيادة عائده.
هذا ما تيسر إيراده والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في 25/10/1430ه
* عضو هيئة كبار العلماء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.