أجزم بوجود حسن النية ونبل الغاية، لكن هل هذه النية الحسنة توجهت لتصويب خطأ معلن أو مخفي.. وهل مشاعر الغاية النبيلة استهدفت تقويم اعوجاج مخل بالآداب وعلاقات الأطراف الاجتماعية أو مشوه للسلوك العام؟.. تختلف التفسيرات حسب مستوى الثقافات.. وعندما أقول الثقافات لا أعني تنوعها باستيعاب ما هو تأسيس لها أو ما تناولته من تنوع في معالجة الشؤون الاجتماعية والعلاقات الإنسانية سواء قدمتها عبقرية روسية أو أخرى فرنسية أو ثالثة عربية.. فالثقافات العامة في تناولات الرواية أو القصة أو البحث الاجتماعي أو التاريخي أو تناول وسائل الاتصال الاجتماعي باختلاف مداركه وما هو مطلوب عند البعض ومرفوض عند بعض آخر.. هذه لا تحمل إلزاماً سلوكياً يحرم ويحلل بقدر ما تعتني بذلك الثقافة الدينية التي يصعب تدخلها في تقويم مسلكيات الناس والحكم على نوعية أفكارهم وممارساتهم وفنونهم وآدابهم ما لم تكن مؤهلة بذلك.. ولن يتوفر الوعي بذلك عن طريق الانغلاق على مفاهيم دينية محدودة يقررها رجل دين محدود الثقافة.. العكس هو الصحيح.. فالتعدد في الثقافة الدينية هو الذي يقرب المسافات بتعدد تقارب الأفكار ومقارنات الرؤية بين عصر وآخر.. هنا تبرز أهمية الدعاة.. لدينا من يعرفون بالدعاة، لكن ما أسمعه هو أنهم لا يمارسون مهمة «الدعاة» في ترشيد من ينعزلون بانغلاق لا يجعلهم يطلعون على رحابة التسامح في الإسلام.. ما يحدث هو العكس عند البعض.. إذ ربما يتم تكريس هذا الانغلاق.. وقد قلت في البداية إنني أثق بوجود حسن النية عند الاخوة الذين اعترضوا على سينما مناحي وتدخلوا بمواعظ ونصائح ليس شرطاً أن تكون صائبة حتى ولو فرضنا أن اشتركت في التمثيل سيدات محترمات المظهر وبتأدية أدوار إيجابية لأن ما نشاهده دون أي رقابة من عشرات الفضائيات ربما بعضها لا يقدم ما هو مناسب لنا.. فلماذا لا يكون هناك مناخ فني يعبر عن قدراتنا؟.. هؤلاء الإخوة كان يجب أن يوجههم الدعاة نحو المفاهيم الصحيحة.. دعونا نتصور وضعاً معاكساً.. كيف لو أن بعض الشباب الواعين بثقافة دينية حديثة تدخلوا مع أكثر من خطيب جمعة يتحدث عن الجهاد وكأنه يناصر حزب الله أو حماس أو نظام القاعدة وسألوه كيف تريد من الناس أن يجاهدوا.. يجاهدون مَنْ، وأين، ومَنْ سوف يعطيهم السلاح؟.. المضمون خطير جداً فيما يقوله بعض هؤلاء الخطباء، لكن بدلاً من الشباب الواعي أين هو دور «الداعية» المكلف؟..