كلما ثارت بين الهلال والنصر أشعر بالسعادة. أجد فيها متعة كمتعة لقائهما على أرض الملعب قبل أن يصاب النصر بالضعف الذي يعاني منه الآن. شكل هذان الفريقان معرفتي بالكورة. صراع الخزان مع الظهيرة مازال ماثلا أمامي كأني أحياه لحظة بلحظة. إنها الأيام القديمة. كان النصر يبطش بالهلال على أرض الملعب والهلال يبطش بالنصر في كل مكان آخر. كان جمهور النصر مجموعة حاقدي جماهير الأهلي (الرياض) الذين تولجهم الهلال كثيرا وفلول جماهير الشباب آنذاك. مجموعة من طالبي الثأر. لا يملكون حماسة الهلاليين في الدفاع عن فريقهم الجديد. لا علاقة لهم بالنصر إلا إذا لعب مع الهلال. طبعا صار هذا تاريخا. النصر يتمتع في وقتنا الحالي بجماهير كبيرة تؤازره في السراء والضراء ، وإن كان عيارهم في الحماس يزداد إذا لعب فريقهم مع الهلال. آخر شيء تركه فيهم الآباء المؤسسون. كان الفريقان أيام صراع الخزان والظهيرة يستخدمون كل أشكال اللغة للتعبيرعن حماسهم. لا يتوقف الصراع بين جماهير الفريقين على السباب والشتائم. في بعض الأحيان يصل إلى صراع الأيدي ، بل غالبا ما تخرج جماهير الفريقين من الملعب وهي حفيانة يتقاذفون نعالهم وجزمهم المحلقة بين المدرجات للتعبير والتفاهم. إذا خرجنا من الملعب وذهبنا إلى الحياة اليومية سنلاحظ أن لكل زمان مفرداته الخاصة ولغته وطريقة تخاطبه. مهما حاول المرء التقدم على لغة زمانه تبقى هذه اللغة عصية على التجاوز. اللغة هي وسيلة تفكيرنا وأسلوب نظرتنا للعالم. لم أفاجأ عندما قال ابن سعيد إنه سوف يذبح ابنه إذا شجع النصر. الكلمة لا يوجد فيها أي شيء يشي بالكراهية أو العنصرية ضد النصر أو غيره. من يعرف لهجة أهل الرياض سيفهم ما يعنيه الشيخ. ليس غريبا أن تسمع في الرياض من يقول لابنه. (والله إذا ما رجعتاها لأذبحك). أو تسمع من يقول وهو يبحث عن ابنه( وينه خلوني أذبحه ملعون الصير). كلمة أذبحه مجرد تعبير مجازي عن الغضب. الكلمة لا قيمة مباشرة لها. فرق كبير في اللهجة الدارجة بين أن تقول أذبحه أو أقتله. لا تستخدم كلمة ذبح للإنسان. لا يمكن أن تسمع من يقول فلان ذبح فلانا ولكن تسمع من يقول فلان قتل فلانا حتى وإن ذكاه بالسكين. جرت العادة أن تستخدم هذه الكلمة مع الحيوان. ذبح الحيوان وقتل الإنسان. استخدام ابن سعيد لهذه الكلمة في هذا السياق لا قيمة لدلالتها المباشرة التي تعني إزهاق الروح. أذبحه كلمة دارجة في أفواه الجيل القديم الذي ينتسب له الشيخ ابن سعيد. تعني سأؤدبه أو سأمنعه. الضجة التي حصلت حول هذه الكلمة تدخل ضمن صراع الهلال والنصر، لا علاقة لها بالأخلاق أو الكراهية. استغلها الإعلام( بالتباكي على الأخلاق الحميدة) كما يستغل أي شيء ووظفها للنيل من الشيخ بوصفه رمزا للهلال.