اقتضى العرف الصحافي أن يمارس ممتهن الصحافة مهنته بحياد، لا سيما أن كان مجال طرحه مثار جدل سياسي أو اجتماعي مع حفظ حقوقه كاملة تجاه سرية مصادره ومعلوماته الموثقة، وأي مناخ «متكهرب» يلسع الصحافي أو يتضايق من طرحه فهذا نذير خطر يتربص بمخرجات الصحافة، ويؤثر على سمت الحقيقة، ويقضي على الصحيفة والقراء. أعرف ما يعانيه الصحافي وهو يبحث عن المصادر وينقب عن المعلومات، وفي كثير من الأحيان يقوده أنفه إلى تحسس ردة الفعل قبل الشروع في كتابة أوراقه، فيقدم والبعبع يقف على أصابعه خشية من انقلاب القول على القائل، بدءا من رقيب ذاته ومرورا برقيب مؤسسته وانتهاء بوصول الأمر إلى الجهة المعنية، هذا إن لم تصاحب عملية النشر حيلة «حب الخشوم» لمن يشك في همس كلماته فيقتص منها تحت عبارة: ممنوع من النشر. الصحافي التواق يتعطش دائما إلى السبق والظفر بالحصول على بكارة المعلومة والخبر، ولا غرابة أن تحول من حالة السكون البشري إلى الإلحاح والإمساك بتلابيب صاحب المعلومة، رسائل واتصالات ولقاءات تدفع بالطرف الآخر إلى القول: يا الله هذا نشبة!، وفي المقابل تدفع الصحافي إلى إطلاق معسول الكلام المعطوف بالرجاء والتودد والقول: أنت أحسن واحد في العالم، لينال المعلومة أو يحصل على الإجابة المغلفة دائما بعبارة: أرجوك لا تذكر اسمي، والحل جاهز دوما ب «صرح مصدر في...». معاناة مصداقية المعلومة والتقصي حولها مسألة شائكة عبثت في مشهدنا الصحافي بدلالة المسؤول الذي ينشر تصريحه والقارئ لا يعلم عنه سوى أنه مصدر معلومة ومسؤول جهة، يختفي في عصر الانفتاح والإعلام الجديد وراء أشهر عبارة خبرية في صحفنا بنص موحد للجميع لا زيادة عليه أو نقصان، أو بمعنى أدق: هذا ما لدينا وسلامتكم. إن سمة الانفتاح ولدت أنماطا جديدة من المتابعة الإعلامية وارتفاع منسوب اللهجة النقدية، وتجاوبت بعض الجهات مع المرحلة بتخصيص متحدث أو ناطق رسمي لها، معروف باسمه ومخول للتعاطي مع الإعلام ووسائله المختلفة والإجابة والتوضيح لما يطرأ، وحسنا فعلوا... لكننا نريد ناطقا رسميا مستوعبا للعلاقة التكاملية، لا يكتفي فقط بإرسال بيانه دون استعداد لأي استفسار وإن حوى البيان الخلط والتلبيس، أو التناقض في ممارسة «الترزز» عبر الأعمدة للحديث عن المنجز، ووقت المشكلات يمارس الحل الأسهل «قفل هاتفك»، مع شيء من المقاطعة في التواصل مع من انتقد أو جرح أو حتى أخطأ في نقد جهازه الموقر، مع شحن مرؤوسيه لهجر وسيلة والتفاعل مع أخرى.