في هذا المكان تحديداً يَقِف الكاتب ليُعِدّ وجبتهُ، الرقيب ينزع منها الملح في حجّة أنّ المسئول مصابٌ بالضغط، والقارئ يقول للكاتب: (طبختك ماصخَة ما بها ملح)! نفس الشيء يحدث من حيث سخونة ما يُقَدّم، الرقيب يُبَرّدها والقارئ يُريدها ساخنة تماماً مثلما خرجت من الفُرْن. مسكينٌ هذا الكاتب يكتُب عن كُلّ شيء ولا أحد يكتُب عنه! ** الكتَابَة قائمةٌ على التأويل إن خلت منهُ فقد خلت من سحرها وفتنتها. والتأويل مشكلةٌ بحَدّ ذاتها.. فعينُ الرقيب ومقصّه يجلسان بالمرصاد لما لم يخطُر على بال الكاتب أحياناً، والقُرّاء مختلفو الطباع والأمزجة والثقافة، والكاتبُ وحيدٌ يواجه كل هذه الجيوش. ** الفَرْق بين مقصّ الخيّاط ومقصّ الرقيب أنّ الأوّل قد (يَسْتُر عُريَك).. بينما الثاني قد (يُعَرّي سِتْرَك)! ** أحياناً يكون الجَوّ العَام (متكهرب) لذلك تتكالب كل هذه الظروف والأشْيَاء على ذلك الكاتب الوحيد فَ (يَنْطَفِئ). والقَارِئُ كاتبٌ آخَرٌ للنّصّ لا يَرْحَم. ** مِمّا يزيد الطِّين بلّة والبلّة يَباساً.. أنّ الرّقِيب أصبَحَ هو المَسْؤول عن تجاوزات الكاتب مع أنّ القلم في يد الكاتب وليس في يد الرقيب، والكاتب عاقلٌ فلماذا يُرفَع القلَم عنه؟!! ** أسوأ شيء أن يقول الرقيب للكاتب: هات البديل. عندها يلتفت الكاتب إلى خلاياه المُحترقة بأسى، ويشعر بقرارة نفسه أنّه وُضِعَ على دكّة الاحْتِيَاط وجَاؤوا بكاتبٍ بديلاً عنه! ** بإمكان الكاتب أن يلعب على الجمهور ويتحدث عن القضايا العامّة بعموميّة (الفقر البطالة بند الأجور رداءة الخدمة الصحّيّة واقع التعليم، الفساد.. وغيرها الكثير) ولكن بدون أن يطرُق الأبواب المقفلة أو يُلامس لُبّ تلك القضايا هل قلنا يلعب على الجمهور؟! نعم. ولكنه في المقابل يلعب على نفسه أيضاً. ** يقول أجمل الأحيَاء نزار قبّاني بأنّ الكتابة: ليست إلاّ (يدٌ ممدودةٌ بالعتمة)، عبارةٌ فادحة الصِّدق تقُول بأنّ الكاتب يقف بالضوء ويمُدّ يده بالعتمة، لم تقل بأنَّ على الكاتب أن يقبع كلّهُ في تلك العتمة. ** خَاتِمَةُ القَوْل شِعْراً/ أحْيَان أفرّج ضِيقتِي بالكِتَابَة --- وأحيَان أحِسّ إنّ الكتابة هِي الضِّيق! [email protected]