مهنة المحاماة تعتبر من المهن المحترمة، التي تهدف إلى حماية حقوق الغير والدفاع عن العدالة وسيادة النظام، ويقال أن (لويس الثاني عشر) كان يردد: (لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً). لذلك فإن الأنظمة والقوانين في كل دول العالم تضع المعايير التأهيلية، والعلمية، وكذلك الشخصية (الحازمة) لكل من يريد مزاولة هذه المهنة، فالمحامي مثل الطبيب، فإذا كان الطبيب غير المؤهل قد ينتهي بك علاجه إلى ما لا تحمد عقباه، فإن المحامي غير المؤهل قد ينتهي بك إلى نفس النهاية، وهناك الكثير من القضايا التي خسرها أصحابها بسبب (جهل) المحامي، أو حمقه، أو عدم تأهيله، وأي واحدة من هذه الصفات إذا اتصف بها المحامي فقل على قضاياك السلام. وقد نصت كل الأنظمة والقوانين المعاصرة (تقريباً) على حق المتهم - بغض النظر عن التهمة - بمحام، أو شخص محترف ومتخصص يساعده على الدفاع عن نفسه أمام القضاء أثناء محاكمته. ونحن في المملكة حديثو عهد بمهنة المحاماة، إذ أن نظام المحاماة المعمول به حالياً لم يصدر إلا بتاريخ 28-7-1422ه، هذا النظام عندما صدر تعامل مع واقع ما قبل النظام بموضوعية، حيث أخذ في الاعتبار أن هناك (وكلاء) يترافعون في قضايا شرعية، ويزاولون مهنة المحاماة (عملياً) وقت صدور النظام، وهم لا يملكون تأهيلاً علمياً، ممن يسمون باللغة الشعبية (الدعوجية)، أو أولئك الذين ورثوا أسلوباً سيئ الذكر (متيح شراي الطلايب) كما في الأسطورة الشعبية. فأعطى هذا النظام عند صدوره لمن لا يحملون مؤهلات علمية مهلة زمنية تنتهي بخمس سنوات من صدور النظام، وبعد انقضائها تعتبر تراخيصهم منتهية أو ملغاة، غير أن هذه المهلة مددت لخمس سنوات أخرى، ولا أجد سبباً مقنعاً لهذا التمديد. وأكثر مهنة في المملكة يمارسها كم كبير من غير المتخصصين الذين لا يملكون مؤهلاً علمياً (متخصصاً) هي للأسف مهنة المحاماة، حيث اقتحمها كثير من الأدعياء، أو كما كنا نسميهم في السابق (الدعوجية)، فقد اكتشف البعض أن هذه (الشغلة) لا تحتاج إلا لمظاهر شكلية، لا علاقة لها بمؤهل الشخص العلمي، لتصبح على الفور (المحامي) الكبير الذي يجعل (الحق) أوضح من الشمس في عز الظهيرة، والذي يرتجف منه الخصوم عندما يتكفل بالدفاع عنك، والذب عن حقوقك. ومن المضحك المبكي أن من بين المتطفلين على هذه المهنة رجل يحمل درجة الدكتوراه في السماد، أما العلاقة بين هذا التخصص والمحاماة، فهذا (سر) لم يصل إليه فهمي المتواضع حتى الآن! وهناك محام آخر يقال أنه لا يحمل ما يؤهله علمياً لممارسة المحاماه، ومع ذلك لديه مكتب استشارات شرعية، بعد أن حصل على (شفاعة) شيخ ما، وقد أوكل إليه بعض المتورطين في قضية عقارية (مشهورة) الدفاع عن قضيتهم، وفشل فشلاً ذريعاً، فقد خسر هو وموكلوه القضية، ولم يخرجوا منها ولو بخفي حنين!. السكوت عن هؤلاء، ومجاملتهم، تفريط بحقوق الآخرين، ومنعهم ضرورة تقتضيها حماية الناس من هؤلاء. إلى اللقاء.