ألزمت المحكمة الجزائية في جدة (وكيلا شرعيا) بإزالة عبارات من أوراقه الرسمية توهم الآخرين بأنه محام مرخص له من وزارة العدل. وطلبت المحكمة من الرجل إزالة ومحو كل ما يوهم الآخرين عن انتسابه إلى مهنة الاستشارات القانونية والمحاماة وغيرها. وكان الموكل رفع دعوى إلى المحكمة كما تقدم بعدة شكاوى إلى الجهات ذات الصلة يطالب فيها بإيقاع أشد العقوبات بحق وكيله (المحامي) بعد أن رأى -بحسب دعواه- أن المدعى عليه منتحل لصفة المحاماة، ورغم أن القاضي لم ير بينة من المدعي، ولم يثبت له انتحال المدعى عليه لصفة المحاماة، إلا أنه ألزم الوكيل بعدم استخدام لفظ المحاماة في عقوده وتوضيح ما تعنيه كلمة استشارات في مطبوعاته. المحامي أحمد الراشد يعلق على انتحال البعض لصفة المحاماة ويقول إن النظام ينص على عقوبات بحق منتحلي صفة المحاماة، مبينا أن وزارة العدل أحالت عددا من المتهمين في قضايا مماثلة إلى جهات التحقيق تمهيدا لتوقيع العقوبات عليهم. ويستطرد الراشد شارحا: إذا كتب أحدهم على مستنداته أو تعاقداته بصفته محاميا وهو غير ذلك فإن ذلك يعد تضليلا للناس، ويستحق المنتحل عقوبة غرامة 30 ألف ريال والسجن عاما. الراشد يرى أن انتحال البعض صفة المحامين مسألة خطيرة، حيث تدفع أموال وتحدث أضرار للمتقاضين. مشيرا إلى أن المحامي الرسمي المقيد في سجلات وزارة العدل يحق له تأسيس مكتب وممارسة نشاطاته تحت إشراف الوزارة، بينما المنتحلون لا يستطيعون فعل ذلك، فمهنة المحاماة إنسانية وشريفة وعمل لا يجب أن يدخل فيه المنتحلون حتى لا يضللوا الناس ويضيعوا حقوقهم، يستوي في ذلك المحامي الذي يمارس المهنة بعد شطب اسمه من سجل المحامين. نصب واحتيال المحامي أحمد خالد السديري ذكر أن من ينتحل صفة المحاماة يعتبر مزورا ونص على ذلك النظام في إحدى مواده، حيث اعتبر الانتحال ضربا من ضروب التزوير ويعاقب عليه بالسجن والمحامي مكلف بخدمة عامة ومن ثم إذا انتحل صفة أو توقيعا أو اسما وقدم وثيقة تفيد بأنه محام وثبت عدم صحتها فيعد من فعل ذلك مزورا وإذا لم يقدم أوراقا رسمية أو غير رسمية تثبت صفته فإن الفاعل يعد نصابا ومحتالا، مؤكدا أن الأمر يقلق المحامين لأن بعضهم ينصب على الناس ويأكل حقوقهم بالانتحال. البعد عن المجاملات رئيس لجنة المحامين في جدة ياسين خياط، قال إن مهنة المحاماة في المملكة حديثة لا تتجاوز العشر سنوات من ناحية التنظيم، وأرجع وجود المنتحلين في المهنة إلى ضعف الرقابة من الجهات المختصة وعدم متابعة البلاغات التي تردها من المحامين وغيرهم ضد بعض الأشخاص المنتحلين، خاصة ان بعض الأمور واضحة أمام الجهات المختصة وتستحق الإحالة إلى الادعاء العام وتوقيع العقوبة بحق المخالفين. ويمضي خياط الى القول إن البعض يتخذ من كلمة مستشار غطاء ليوهم الناس ويغرر بهم وهناك صفة أخرى تحت اسم محكم معتمد لممارسة الاحتيال، والصفتان متشابهتان في الجرم، في حين أن البعض يستخدم شعار الميزان أيضا لإيهام الناس دون أن يكتب ما يدينه من عبارات مباشرة، موضحا أن النظام يعاقب على ذلك. وبين خياط أن مهنة التحكيم لا تخول المحكم مراجعة المحاكم للترافع عن الغير، مبينا أن هذه ممارسات خاطئة، وهناك سوابق حدثت من قبل في هذا الشأن مع هيئة التحقيق والادعاء العام. وانتقد عدم تكييف بعض الجهات وصف مستشار أو محكم بأنه جريمة انتحال أو مخالفة نظامية، مطالبا بالنظر إلى المستقبل، وحل المشكلة، معتبرا أن في الأمر تغريرا بالناس. ورأى خياط أن على وزارة العدل مسؤولية كبرى في ما يتعلق بحماية مهنة المحاماة من الدخلاء، مطالبا بتطبيق العقوبات على الجميع بشكل صارم وجدي بعيدا عن المجاملات. حائط الصد أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز المحامي الدكتور عمر الخولي، أوضح أن هناك من يلجأ لممارسة المحاماة من غير تأهيل أو رخصة وهذه جريمة بحسب النظام، «قد يكون المنتحل كاتبا لبعض العبارات سواء في عقوده أو في مكتبه أو يضعها في مطبوعاته أو لوحة مكتبه، ليوهم الناس بأنه محام»، ويطالب الخولي بضرورة التنبه للمتلاعبين. ويصف الدكتور أنور علي بخرجي مهنة المحاماة بأنها حائط الصد الأول في المجتمع، فهي مهنة الدفاع عن الحق ووجودها ضرورة عدلية في العصر، حيث أصبحت الحاجة ملحة إلى من يقدم العون القانوني للأروقة القضائية بمختلف درجاتها بما يساعد الجهاز القضائي على استبيان الحقيقة ومن ثم إصدار حكم غير مشوب بعيب. كما أن المحامي يقدم العون القانوني للراغبين في معرفة حقوقهم وواجباتهم. ومن هنا تبرز أهمية المحاماة كمهنة رفيعة تتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية كونها مهنة الدفاع عن الحق (القضاء الواقف). بحسبان أن كل خصومة تنطوي على حق أو باطل أو بعض من أيهما متى ما أثير النزاع أمام القضاء، حيث تكون مهمة المحكمة الاستماع لبينات وأدلة طرفي النزاع فتقضي بينهما وفقاً لما يقدمه كل منهما من أدلة وبراهين تدعم موقفه القانوني. القضاء الواقف بخرجي يضيف: لما كان الأمر يتطلب الدقة من حيث تصنيف المستندات والأدلة والبراهين وتقديم الشهود بما يجلي الحقيقة ليتم تقديمها في ساحة القضاء، وهو الدور الذي لا يمكن للقاضي القيام به لاستجلاء الحقائق، حيث إن وضع القاضي يحتم عليه الحياد فليس له أن يقوم بهذا الدور حتى لا يفقد حياديته حفاظاً على أهم ركن من أركان توليه القضاء، وحيث إن المعاملات والعلاقات بين أطراف المجتمع تعقدت بتطور وسائل وأساليب الحياة فقد برزت حاجة الأفراد والمؤسسات إلى الاستعانة بمن لهم الدراية والمعرفة بوسائل الدفاع عن الحق وتحديد البينات المطلوبة وعرض المستندات أمام المحكمة، الذي لم يعد بالأمر السهل، إذ لا يمكن للمتخاصمين من أفراد المجتمع القيام به على الوجه المطلوب دون الاستعانة بأصحاب التخصص، ومن هنا تبرز أهمية وجود المحامي حتى يتسنى تقديم القضية أمام المحكمة بصورة متكاملة وواضحة جلية تمكن القاضي من الإحاطة بالحقائق فيقضي في الدعوى التي أمامه مطمئنا دون أن يساوره شك. ظاهرة الدعوجية بخرجي يستطرد ويضيف: على الرغم من أن هذه المهنة لم تكن لها منظومة تحكمها، حيث كان كل من يجد في نفسه القدرة على الوقوف أمام القضاء يقوم بالتوكل عن الخصوم، ما أفرز ظاهرة (الدعوجية)، وعلى الرغم من أن وزارة التجارة ظلت تقوم بمنح تراخيص الاستشارات القانونية للمؤهلين علمياً لممارسة المهنة، إلا أن مهنة المحاماة لم تتبلور وتظهر ملامحها بشكل واضح إلا بعد صدور نظام المحاماة الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم في 28/7/1422ه، حيث وضع اللبنات التنظيمية الأولى لهذه المهنة بما يجعلنا أكثر تفاؤلا في إرضاء تطلعات المحامين وطموحاتهم. وأضاف: نثمن الجهود المبذولة من الجهات المختصة التي أحدثت هذه النقلة النوعية التي شكلت نقطة تحول مهمة في ظهور المحامي بشكل أكثر مهنية، إلا أننا نلاحظ أن هناك قصورا في بعض الجوانب المهمة التي نرى ضرورة الالتفات إليها ومعالجتها، حيث إننا في حاجة ماسة إلى أن تكون هناك هيئة أو كيان موحد للمحامين للعناية بشؤونهم والإسهام في الارتقاء بالبيئة العدلية والمشاركة في تطوير المهنة والمحافظة عليها، وعلى الرغم من وجود كيانات في شكل لجان تعمل تحت مظلة الغرف التجارية، إلا أننا لا نجد أن هذه اللجان قامت بدورها المطلوب. سجن وغرامة لاحظ بخرجي أن العديد من دول العالم اتجهت إلى الترخيص لهيئات تجمع المحامين وتنظم هذه المهنة التي تهدف إلى الدفاع عن مصالح المحامين والمحافظة على فاعلية المهنة وضمان حرية المحامي في أداء رسالته، ومعاقبة المسيئين لهذه المهنة، وتنظيم جهود أعضاء النقابة لتطوير الفكر القانوني في خدمة الحق والعدل والتقدم والمساهمة في تطوير التشريع ابتغاء تيسير العدالة بغير موانع مادية أو تعقيدات إدارية، كما تهدف تلك الهيئات إلى تنشيط البحوث القانونية وتشجيع القائمين بها ورفع المستوى العلمي للأعضاء، وتقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى توفير العمل المهني للأعضاء وتنظيم التعاون في ممارسة المهنة وتقديم المعونة القضائية لغير القادرين. وأضاف: نعاني كمحامين ممارسين للمهنة إشكالية قيام غير المحامين بانتحال صفة المحامين على الرغم من أن نظام المحاماة فرض عقوبات رادعة على منتحلي صفة المحامي وفقاً لنص المادة 37، التي جاء نصها: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن 30 ألف ريال أو بهما معا: أ - الشخص الذي انتحل صفة المحامي أو مارس مهنة المحاماة خلافاً لأحكام هذا النظام. ب - المحامي الذي مارس مهنة المحاماة بعد شطب اسمه من جدول المحامين. تعديل النصوص بخرجي أشار إلى أن توقيع العقوبات يكون من القضاء المختص، كما أن قسم المتابعة في إدارة المحاماة يقوم بدوره عبر جولات تفتيشية لرصد منتحلي صفة المحامين، إلا أننا نرى أنه لا بد من وضع المزيد من الضوابط لمحاربة الظاهرة، فلا بد أن تكون هناك برامج توعوية متخصصة حفاظاً على حقوق العباد من عبث واستهتار المنتحلين الذين يمارسون المهنة دون تراخيص، ما سيؤثر سلباً في البيئة العدلية، باعتبار أن التعليمات الخاصة بمهنة المحاماة حصرت مزاولة المهنة على المقيدين في جدول المحامين الممارسين لدى وزارة العدل، لذلك فإننا نرى أنه لا بد من توحيد الجهود بين المحامين والجهات المختصة بوضع المزيد من الضوابط والآليات لمحاربة الظاهرة. وخلص إلى القول: إن نظام المحاماة ما زال في حاجة إلى وقفة تأمل وإلى إصلاح لمسايرة الحداثة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وليس الاقتصار على تعديل بعض نصوصه. كما يحتاج إصلاح النظام وتقوية مؤسسة الدفاع دعما وتقوية لمؤسسة القضاء التي تجد في المحامي الساعد الأول في تنوير القاضي وتسهيل مهمته وتمكينه من أداء واجبه في ظل الظواهر المجتمعية الوطنية والإقليمية والدولية. «العدل» تؤكد: لا تهاون مع المسيئين توعدت وزارة العدل منتحلي صفة المحاماة، واصفة سلوكهم بالإساءة لشرف المهنة. وقالت الوزارة إن المحامين هم أحد عوامل نجاح العملية القضائية، مؤكدة أنها أحالت 14 منتحلا العام المنصرم إلى الجهات المختصة لتطبيق العقوبة بحقهم. وذكر مصدر عدلي أن هناك إجراءات لرصد المنتحلين، ومنها جولات يقوم بها قسم المتابعة في الإدارة بتعاون القضاة وكافة الجهات القضائية، إلى جانب تعاميم بعدم قبول الترافع عن الآخرين إلا للمقيدين في جدول المحامين الممارسين. وشدد المصدر على أن الوزارة تعمل بكل قوة ودون استثناء لمتابعة وتعقب كل من يتعدى على المهنة أو يضلل المواطنين والمقيمين على حد سواء. وتتلقى الجهات المختصة شكاوى الضحايا، وتحيلها بعد التحقق منها إلى هيئة التحقيق لتحريك الدعوى الجزائية بحقهم أمام القضاء. ونفى المصدر وجود تهاون أو ضعف رقابة من الوزارة بحق المنتحلين.