لم يعرف العالم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً إلاّ إسلاماً واحداً، واليوم نقرأ عن "إسلاميات" متعددة، وكأننا أمام "سوبر ماركت" يعرض "موديلات" تناسب أذواق الناس المتباينة. الجماعات السياسية والفكرية المتماسّة اجتماعياً مع الإسلام، أي تلك التي تتعايش على تخومه ولم تعرفه عن قرب، تُغرق الأسواق الثقافية بأنواع "غريبة" من الإسلام: الإسلام السياسي، الإسلام الجهادي، الإسلام المعتدل، الإسلام المتشدد، الإسلام المسلح، الإسلام الديموقراطي، الإسلام الليبرالي، الإسلام الاشتراكي.. الخ! مع الحراك السياسي بين عامي 2004 2006م في مصر على سبيل المثال بعيد سقوط بغداد عام 2003، تحت "مظلة أخلاقية" تُدعى "دمقرطة" العالم العربي الذي صدّر (19) انتحارياً إلى الولاياتالمتحدة، نفذوا حادث تدمير برجي التجارة العالمي في سبتمبر 2001، شارك الإسلاميون لا سيما الإخوان المسلمون في هذا الحراك، بل كانوا هم بحكم وزنهم الجماهيري والتنظيمي الكبير قاطرته الرئيسة، فضلاً عن وعيهم بأنهم وغيرهم من التيارات الإسلامية الأخرى كانوا هم المستهدفين من الوجود الأمريكي المباشر في المنطقة، أو بالوكالة من خلال الأنظمة العربية المتحالفة معه، فظهرت مبادرات الإصلاح التي كانت في الأساس تخاطب الولاياتالمتحدة "الجريحة"، والغرب المتعاطف مع "مأساتها" بعد سبتمبر الذي لا يُنسى!! في غضون ذلك ظهر في السوق مصطلح "الإسلام الديمقراطي"، واستخدم كأداة في تحليل مضمون الحراك السياسي الإسلامي عموماً، وسبر غور "نية" الإخوان تحديداً، وما إذا كانوا ديموقراطيين أم انتهازيين. الاستسهال في وضع تلك المسميات أوجد الكثير من اللبس والمشاكل والأخطاء على مستوى المنهج والرؤية، ولعل أخطرها هو "شخصنة الإسلام"، أي جعل معرفته رهن ممارسة المنتسبين إليه. مع ظهور "جماعة المسلمين" والمعروفة أمنياً ب "التكفير والهجرة"، التي اغتالت الشيخ الذهبي في السبعينيات ظهر مصطلح "الإسلام المتشدد"، ومع ظهور الجهاد والجماعة الإسلامية اللتين اغتالتا الرئيس السادات في حادث المنصة عام 1981 ظهر مصطلح "الإسلام الجهادي"، وبعد سبتمبر عام2001 ظهرت فرية "الإسلام الفاشي"، ومع مبادرات الإصلاح التي أطلقها الإخوان المسلمون ظهر مصطلح "الإسلام الديموقراطي". المثير للدهشة أن المتورّطين في صوغ هذه المسميات، هم عرب مسلمون، مما يعطي مصداقية مغلوطة لدى الرأي العام الغربي بأن الإسلام يمكن قصَّه ولصْقه وتفصيله حسب كل المقاسات، وأن المرجعية الفاصلة في ذلك هي موقف المنتسبين إليه، والذي يمكن تطويعه حسب الضغوط الدولية على العالم الإسلامي، ولعل ذلك يفسر لنا هذه الجرأة التي يطالب بها الغرب المسلمين بتغيير مناهجهم الدينية والتعليمية.