رباعي هجوم الاتحاد .. الأقوى    صقورنا في مهمة عبور (سور) الصين    جابر ل«عكاظ»: الأخطاء الدفاعية ستحسم «الكلاسيكو»    السعودية.. أعظم وحدة في العصر الحديث    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تراجع    اكتشاف النفط.. قصة إرادة التنمية السعودية    إخماد حريق للغابات بمقاطعة "جانجوون" في كوريا الجنوبية    العز والعزوة.. فخر وانتماء    القيادة الكويتية تهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    يوم التأسيس السعودي: ملحمة تاريخية تجسد هوية الوطن    رئيس فلسطين يهنئ القيادة بمناسبة ذكرى يوم التأسيس    كأس السعودية للخيل| "سكوتلاند يارد" يتألق بلقب كأس طويق    الملاكمون يواجهون الميزان في الرياض قبل ليلة الحسم لنزال "The Last Crescendo" اليوم السبت    «الدرعية».. موطن الأمجاد ومنارة الإرث العريق    اكسبوجر الدولية للأفلام تحتفي بإبداع 10 فائزين في صناعة السينما    الدرعية.. ابتدينا واعتلينا    انخفاض درجات الحرارة في عدد من مناطق المملكة    «الأسواق الناشئة».. السعودية تعالج تحديات اقتصاد العالم    محمد العجلان: "يوم التأسيس" يجسد أصالة التاريخ ووحدة الوطن    فهد العجلان: يوم التأسيس يجسد مسيرة الكفاح وبناء دولة عصرية    «أنوار المباني» شاهد عيان على التنمية المستدامة    تأسيس الحوكمة.. السعودية تحلق في فضاءات «الرقمنة»    يوم التأسيس.. جذور التاريخ ورؤية المستقبل    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    غبار المكابح أخطر من عادم السيارات    السعودية منارة الأمل والتميز الطبي    وزير الاتصالات يجتمع بقادة كبرى الشركات العالمية    من التأسيس إلى تنمية الإنسان.. جذورٌ راسخةٌ وقيمٌ شامخة    ذكرى التأسيس.. بناءٌ وتكريس    سفير جيبوتي: التأسيس نقطة انطلاق نحو نهضة حضارية وسياسية عظيمة    وزير الإعلام يكرّم هاشم عبده هاشم بشخصية العام    السعودية.. «حجر الزاوية» في النظام الإقليمي    مدرب الاتفاق ينتقد رونالدو ودوران    تاريخ وطن.. وامتداد أمجاد    يوم بدينا    الفتح أول المتأهلين لممتاز كبار اليد    السعودية من التأسيس إلى معجزة القرن ال 21    من الدرعية إلى الأفق.. يوم التأسيس ورحلة المجد السعودي    الماضي ومسؤولية المستقبل    أمانة القصيم تطلق 60 فعالية في 38 موقعًا احتفاءً بيوم التأسيس    ضبط شخصين في الرياض لترويجهما مواد مخدرة    في يوم التأسيس نستذكر تاريخ هذه الدولة العريق وأمجادها الشامخة    مدير عام فرع هيئة الهلال الأحمر بمنطقة القصيم يلتقي بمكتبه مدير الدفاع المدني    دورة لمنسوبي نادي جمعية الكشافة للحصول على شارة "هواية الصحفي"    شرطة الرياض: القبض على يمنيين لمخالفتهما نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    «حرس الحدود» بمكة ينقذ مواطناً تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    مستشار الأمن القومي الأميركي: زيلينسكي سيوقع اتفاق المعادن قريباً    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم ندوة علميّة تزامناً مع ذكرى يوم التأسيس    قادة الخليج والأردن ومصر يتوافدون لعاصمة القرار العربي    زيارة "فريق الوعي الصحي التطوعي" التابع لجمعية واعي جازان لمؤسسة دار رعاية الفتيات    قرارات ترمب المتطرفة تفاقم العزلة الدولية وتشعل التهديدات الداخلية    كبار علماء الأمة يثمنون رعاية خادم الحرمين لمؤتمر بناء الجسور بين المذاهب    احتمالية الإصابة بالسرطان قد تتحدد قبل الولادة    عم إبراهيم علوي في ذمة الله    الهرمونات البديلة علاج توقف تبويض للإناث    الصداع العنقودي أشد إيلاما    قطر تؤكد أن استقرار المنطقة والعالم مرتبط بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حماس" والسلفية الجهادية... وجهاً لوجه
نشر في أنباؤكم يوم 24 - 08 - 2009


عبدالله بن بجاد العتيبي - الاتحاد الاماراتية
الجماعات الإسلامية في شتى تشكّلاتها وتمظهراتها تعاني من أمرين رئيسين؛ أولهما: اليقينية الكاملة في الكليات والجزئيات. وثانيهما: الإقصائية التامّة لأي مخالفٍ في الكبير والصغير. وهذان الأمران شبه ثابتين في تلك الجماعات والحركات والتيّارات.
وجميع هذه الجماعات حين تقبل الخلاف مهما كانت مساحته فإنّها تقبله على مضضٍ، وتخضع له تحت وطأة الظروف والمعطيات الواقعية، من قوى سياسية وتيارات ثقافية وتوجهات اجتماعية، ولكنّها حين تحظى بما تسمّيه "التمكين" فإنّها لا تقبل خلافاً ولا ترضى من مخالفٍ صرفاً ولا عدلا، فالسيف والقوة فقط هما الحكم حينئذ، وهذا ما ظهر في "غزّة" بعد إعلان "إمارة رفح الإسلامية"، مذبحة وقتلٌ وتدمير وهجومٌ حتى على المسجد بأسلحةٍ متنوّعةٍ، فلا يجوز مخالفة من يدّعي أنّه الحاكم بأمر الله أبداً، و"حماس" في غزة تعتقد أنّها الحاكم بأمر الله!
لو حصل مثل هذا الأمر في بلدٍ آخر، لكانت ثمة محاولات لضبط الأوضاع، وسعيٌ للملمة الأمر، وبذلٌ للجهد لإنهاء الأمر بطريقةٍ سلميةٍ قدر المستطاع، وليس المبادرة بالتقتيل والتدمير كما فعلت "حماس". والعجب أنّ خطاب "أبو النور المقدسي" الذي يمثّل السلفية الجهادية، لم يتناول أطروحات السلفية الجهادية بإسهاب وإنما اختار طرحاً يشبه تماماً ما ساقته "حماس" في انقلابها على السلطة الفلسطينية، اتهامٌ بالحكم بغير ما أنزل الله وعدم تطبيق الشريعة وإقامة الحدود والأحكام الإسلامية، وتعطيلٌ للجهاد، وهذه المآخذ من وجهة نظر الخطاب الديني الذي تتبنّاه "حماس" مآخذ صحيحة ومحقة، ولكنّها السلطة والحكم فالحكم -كما يقال- عقيمٌ.
صراع "حماس" والسلفية الجهادية يؤكد وحدة الهدف لدى هذه الجماعات، وهو المزايدة على المسلمين، لكن صراعات السياسة تفضح المختبئ تحت عباءة الدين!
ما يشدّ الانتباه هو أنّ حركات السلفية الجهادية بعد دخولها في حربٍ عالميةٍ عبر التنظيمات المسلّحة التي تمثّلها في هذا البلد أو ذاك، كانت في أغلبها تغض الطرف عن المحور الإيراني، فهي لا تصطدم بإيران مباشرةً ولا تسعى للاصطدام بفروع إيران في المنطقة وعلى رأسها حركة "حماس"، وما جرى في غزّة كان استثناءً ولذلك فقد أربك هذا الإعلان السلفي الجهادي عن إمارة رفح الإسلامية كثيراً من الجماعات والرموز الإسلامية، إرباكاً كبيراً، فأخذوا يتخبّطون في مواقفهم، فمن زادت حركيته على سلفيته انحاز ل"حماس" ككثيرٍ من المواقع والرموز الذين ينتمون لما يسمّى تيّار "السرورية"، وهم كثرٌ ومواقعهم منتشرة في الشبكة العنكبوتية لمن أراد الوقوف عليها وتتبعها، وبالمقابل فإن من غلبت سلفيّته على حركيته قد اتخذ موقفاً صارماً في معارضة "حماس" والهجوم عليها باعتبارها تحارب الإسلام وتقتل المجاهدين. وكمثالين بارزين على هذا الهجوم يكفي مراجعة خطاب أبي محمد المقدسي الذي عنونه ب"أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله"! وكذلك خطاب هاني السباعي مدير مركز "المقريزي" في لندن والمقرّب من تنظيم "القاعدة"، لقد كالا ل"حماس" جميع أنواع التهم التي تهاجم بها السلفية الجهادية الأنظمة العربية والإسلامية، وأذاقوها من ذات الكأس التي كانت تجرّعه لخصومها.
إذا كان الشيطان في التفاصيل -كما يقال- فقد كان حدث إعلان رفح إمارةً إسلامية تفصيلا أخرج شيطان الخلافات بين الحركات الإسلامية، وبدأ أتباع هذه الجماعات يتخبّطون بين الهدف السياسي والأيديولوجيا، واتضح أنّ الدين لدى جماعات الإسلام السياسي مجرد غطاء والسياسة هي الهدف أو السلطة حتى نكون أكثر تحديداً، ولذا فقد كان أبو النور المقدسي صريحاً في تشبيه "حماس" بحزب العدالة والتنمية التركي واعتباره له بكل صراحةٍ ووضوحٍ حزباً علمانياً.
إن الخطابات المتشددة لديها قابلية دائمة للتشظّي، لأنها بطبيعتها خطاباتٌ تكرّس اليقينيات في فكرها وسلوكها، وتخاصم أي مخالفٍ مهما كانت درجة مخالفته، ولذا فهي تعود في الغالب لتأكل نفسها ويتفرّق أتباعها ويتناحرون، وهذا ما حصل ل"حماس" وحركة السلفية الجهادية في غزة، فقد تحالفت معها في الانقلاب على "فتح" ومنحتها شيئاً من الفسحة في الحراك داخل المجتمع في غزّة، فلم تلبث هذه الجماعة مذ آنست من نفسها قوةً أن سعت لفرض رؤيتها وخطابها بالقوّة، تماماً كما فعلت "حماس" من قبل مع السلطة الفلسطينية.
وإن كان في التاريخ شاهدٌ وفي الواقع عبرٌ، فإن التاريخ الإسلامي يحدّثنا عن الخوارج وهم من أكثر فرق الإسلام تشدداً وعنفاً، وهم في ذات الوقت من أكثر الفرق في تاريخ الإسلام تشظياً وانقساماً، فقد كانوا ينقسمون لأدنى خلافٍ ولو في أصغر المسائل إلى فرقٍ وشيعٍ يلعن بعضها بعضاً ويكفّر ويقتل بعضها بعضاً.
أمّا الواقع ففي الصومال ما يكفي لتأكيد الفكرة، فالجماعات الإسلامية هناك خرج منها تنظيم "المحاكم الإسلامية" ثم خرج تنظيم "الشباب" وتناسلت من بعد جماعاتٌ أخرى تحت مسمّياتٍ متعددةٍ، وهكذا دواليك.
المدافعون الحركيّون عن "حماس" حاولوا التركيز على مفهوم "الفتنة"، وأن ما جرى كان فتنةً يجب السكوت عنها وتجاوزها، فيما يردّ السلفيون الجهاديون بتكفير "حماس" وأنّها كما يقول المقدسي ليست صادقةً في دعواها بأنها لا تطبّق الشريعة لأنها مستضعفة وغير ممكّنة، ويضيف: "في خضم هذه الأحداث وفجأة ولأجل سلطة حماس وحكم حماس ومصلحة حماس وهيمنة حماس ودكتاتورية حماس، نفاجأ بتبخر جميع تلك الدعاوى والترقيعات!". ويردّ بقسوةٍ على المدافعين عن "حماس" تحت مظلة مفهوم "الفتنة" فيقول: "ولن نرضى من أحد أن يحاضر علينا في شرر وضرر الفتنة وهو لا يفقه ولا يعلم أن أعظم فتنة هي الشرك بالله في كافة صوره، ومن ثم وبعد أن يتعلم هذا ويهضمه ويفهمه؛ فليوجه نصائحه كلها لأحوج الناس إليها في غزة وهم قادة حماس وحكومتها وسلطتها؛ والتي لم تكتف بجهلها وهدمها لهذه الأصول وحسب؛ بل وهدمت حتى ما تزايد فيه على غيرها من معرفة في فروع الفتن والمفاسد والمصالح المرجوحة التي تعظمها؛ ودعاوى الحكمة والكياسة والفهم في السياسة؛ فبادرت إلى سفك الدماء الزكية مع أن السلطة والحكم بيدها، وكانت ولا زالت قادرة على معالجة الأمور بأشياء كثيرة يجب على ولي الأمر فعلها قبل اللجوء إلى العلاج بالقوة ؛وأعماها حرصها على السلطة وأنساها أن آخر العلاج الكي".
ويزيد عليه وبصراحة وصرامةٍ أكبر هاني السباعي فيصف "حماس" بالعصابات -وهو بالمناسبة نفس وصف عباس و"فتح"- ويقول: "إن أخطر ما يواجه أهل التوحيد؛ أهل الإسلام؛ أصحاب العقيدة الصحيحة النقية؛ تلكم العصابات المنتسبة إلى أهل القبلة (العدو القريب)، فهم أس الداء وأصل كل بلاء"، ويضيف: "إن هذه العصابات المنحرفة عقدياً ممن ينتسب إلى ملة الإسلام، كالإخوان المسلمين وفروعها (حماس) المورقة حقداً وحسداً على الموحدين... حان للأمة أن تستبين زيفها وخداعها! فهذه الجماعة التي أسست على خليط من حق قليل وباطل عميم! قد انكشفت سوأتها وبان عوارها وخبث طويتها! إن جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها سنة 1928م وهي تمر بمراحل من الانحطاط الخلقي، والانحراف العقدي، فعلى مدار ثمانين سنة تقريباً لم تحصد إلا الحنظل ولم تجن إلا السراب! لقد تاجرت هذه الجماعة وفروعها في مشارق الأرض ومغاربها بهذا الدين العظيم وتربحت من ورائه! واقتاتت بدم الأبرياء! الشباب البسطاء الذين انتسبوا إليها تحت شعارها المزيف (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)! فانقلب هذا الشعار الخادع إلى (الموت في سبيل البرلمان الوضعي) أسمى أمانيهم!.. فحسب سدنة هذه الجماعة ومكتب إرشادها، أنهم يحسنون صنعاً بسبب تضييق الحكومات المرتدة عليهم! رغم أنهم يعلمون أن هذه الحكومات كانت تسجن وتعذب فريقاً من الشيوعيين في نفس تلكم الحقبة الكالحة".
هذا الصراع المعلن بين "حماس" والسلفية الجهادية يؤكد لنا أنّ الهدف والوسيلةً واحدةٌ لدى هذه الجماعات وهو المزايدة على الإسلام، والمزايدة على المسلمين، والمزايدة على الموقف السياسي الأنقى دينياً، ولكنّ الحقيقة تقول إن السياسية وصراعاتها تفضح المختبئ تحت عباءة الدين لتظهره عارياً أمام الناس، فتسقط الأقنعة وينكشف المستور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.