يزور المواطن فجرا مكتب العمل في الرياض, لا لكونه مَعَلما سياحيا من معالم المدينة للاستمتاع برؤيته قبل وبعد الشروق, بل للضرورة في محاولة لإنجاز أعماله التي تتطلب منه الحضور قبيل الفجر أو بعده بقليل كأقصى وقت يمكنه فيه الحصول على رقم للاصطفاف مع الطوابير المنتظرة حتى يأتيه دوره بعد ساعات من عناء الانتظار. وتنتاب كل مراجع مخاوف من المفاجآت التي تنتظره, أهونها تكشيرة موظف الاستقبال, وأكثرها غرابة أن يكتشف أسماء عمالة في ملفه ليس له علاقة بها, ولا يدري من أين وكيف أدرجت في ملفه, ثم يبدأ المراجع رحلة بيروقراطية أخرى لإثبات أنه ليس له يد في هذه الأسماء, ليتم رفعها فيما بعد من ملفه. وأصابع الاتهام في مثل هذه الحالات لا يمكن أن تكون بفعل يد خارجية اخترقت كمبيوترات مكتب العمل وعبثت في ملفات المواطنين, بل على الأرجح أن مثل هذا التحايل على الأنظمة يتم بتفاهم مسبق بين مستفيد وموظف داخلي يملك مفاتيح الملفات. وتتم عملية الالتفاف على الأنظمة في مثل هذه الحالات بطريقتين, وهما السائدتان, إما ليثبت المستفيد (المحتال) بمساعدة داخلية أنه حقق شروطا من ضمنها السعودة ليمضي في إكمال إجراءاته, أو بغرض الحصول على تأشيرة استقدام بنقل عدد من مكفوليه الأجانب إلى ملف أو ملفات أخرى لفترة مؤقتة حتى يتم تمرير الطلب, لأنه من دون هذا التحايل لا تنطبق عليه شروط الاستقدام كونه بلغ الحد المسموح به. ومن السهولة بمكان كشف عمليات تلاعب مثل هذه متى ما كانت أنظمة الأمان للبرنامج المستخدم محكمة ودقيقة وترصد كل حركة تتم على الملفات لحظة وقوعها, وتحدّد الموظف الذي تعامل مع النظام حتى لو كان متفرجا أو مطلعا لأي سبب من الأسباب, كما هو الحال في الأنظمة الكمبيوترية للبنوك, وخاصة فيما يتعلق بحسابات العملاء. يبقى القول: إن الذي يقع في صدارة أماني كل مراجع أكثر من رغبته في معاقبة المتلاعبين, هو أن تحذو مكاتب العمل حذو الجوازات على سبيل المثال بفتح فروع لها في مناطق عدة من المدن الكبيرة للتيسيرعلى المواطنين, أوعن طريق حوكمة أعمالها إلكترونيا, بحيث ينهي المستفيد أعماله وهو في بيته، وفي مكان عمله, أو في أي مكان كان, أوعلى الأقل ينهي جزءا منها حسب الحالة. (محمد السلوم)