يلعن - أو لنقل تخفيفا يتذمر- شريحة غير قليلة من سكان الرياض وربما في غيرها نظام ساهر المروري كلما رأوا كاميراته سواء ألقت (التحية) عليهم بفلاشاتها أو لم تفعل، فقد بلغ الضيق من تراكم الغرامات على المواطن والمقيم مبلغ الهم والغم وربما معه القهر. وربما سبب تذمرهم ليس من بينة حبهم للفلتان المروري ولكنه عائد إلى التطبيق غير التدريجي للغرامات ويُفترض البدء بغرامات منخفضة الكلفة ترتفع تدريجيا مع مرور سنوات التطبيق التي يتزامن معها تكيف الناس مع الوضع القائم نحو الانضباطية. لكن أن يطبق النظام هكذا كما هو حاصل الآن والناس لم تتعود على السير بسرعات محددة، بل إن البعض برمج نفسه على سرعة معينة يحتاج فيها الى وقت للتكيف مع الوضع الجديد سواء كان صغيرا في السن أو كبيرا. ولم يعد يلتقي أربعة من سكان الرياض تحديدا إلا ومن بينهم مَن اصطاده نظام ساهر المروري أكثر من مرة وأثقل كاهلهم بالغرامات وأقلها 300 ريال تتضاعف بعد شهر من تسجيلها في وقت يئن فيه مَن يئن من ارتفاع كلفة المعيشة ومحدودية الدخل والبطالة أيضا. ويتساءل الكثيرون من (ضحايا ساهر) عن مصير أموالهم والى أين تذهب بالتحديد، في ظل الضبابية التي تزامنت مع تطبيقه دون أن يفصح عن الشكل القانوني لهذا النظام. ومنذ تطبيق نظام ساهر بدءا من الرياض قبل ستة أشهر بقيت صيغة التعاقد بين الإدارة العامة للمرور والشركة المشغلة للنظام حول مدة التشغيل والحقوق المالية لكل طرف غير معروفة وما شُرح حتى الآن من المرور، أن النظام خفض الحوادث بنسبة 40 % وهو مؤشر جيد في زمن قصير. وأشارك مَن يتساءل كون إدارات المرور قد عرفت بانخفاض النسبة وأفصحت عنها، فلماذا لا تفصح عن بقية المعلومات؟! أم أن تحاشي ذكرها ربما مرده خوفا من (الحسد) لأنها بعملية حسابية يمكن معرفة حجم المخالفات على وجه التقريب والتي قد تكون بالمليارات من الريالات منذ بدء التطبيق! وفتحت عملية عدم الإفصاح الباب للتكهنات والتوقعات والاجتهادات وتكاد تلتقي معظمها على أن الشركة المشغلة حصتها 70 % والنسبة الباقية تذهب إلى وزارة المالية. وإذا صدقت هذه النسبة فهي تعزز، كما يتردد لدى البعض، أنه نظام (جباية)، وتتضاءل مع الوقت النية في سلامة الهدف المعلن إذا بقي الغموض على حاله، بأن هدفه السلامة وضبط النظام والمحافظة على الناس وسياراتهم. وهناك مَن يرى أن الدولة غنية بمالها ورجالها ومتمكنة من تنفيذ وتشغيل النظام والاستفادة من عوائد ساهر الضخمة لتوظيفها في تطوير خدمات الطرق والشوارع التي تصب في النهاية في مصلحة البلاد والعباد. ولاسيما أن ساهر في النهاية نظام آلي مبرمج لا يختلف عن غيره من البرامج وليس من التعقيد بمكان يتعذر تشغيله الا عن طريق خبراء نادرين، خاصة أن البلد مليء بالكفاءات التقنية المتخصصة في أنظمة التشغيل. ومع التسليم بمزايا النظام في استثمار التقنية الحديثة في تعزيز فرض الأنظمة والانضباط وفرض واقع جديد يؤدي إلى تغيير الكثير من السلوكيات في القيادة إلا أن الضبابية والسرعة في تنفيذ النظام فرخت الكثير من الشائعات. وآخر الشائعات ما انتشر أخيرا من أن نظام ساهر تم إيقافه، وتأخرت إدارة المرور في نفي الشائعة في وقتها وهي التي تعلم من خلال مواقع النت مدى الانتشار الواسع لهذة الشائعة ويفترض نفيها في حينها بدلا أن يكون ذلك بعد أيام من سريانها بسرعة مذهلة. وجرت العادة في مثل هذه الشائعات أن تذهب أصابع الاتهام في تسريبها إلى الشركة المشغلة وربما هي بريئة كونها المستفيد الأول من عودة الحال إلى ما كان عليه قبل تطبيق النظام. يبقى القول: إن النظام الآلي لا يستثني أحدا وهو مطلب لتصحيح الأوضاع المائلة والحد من التهور في القيادة التي كانت أحد أسباب حصد مئات من الأرواح شهريا إلا أن فتح ملفات ساهر أمام الناس بكل شفافية سيبدد ما قيل إن هدفه الجباية ومن حقهم أن يعرفوا مصب قيمة غراماتهم. وتبقى إشارة، وفي ظل استمرار تذمر الناس من حلول غرامات ساهر ضيفا ثقيلا على ميزان مصروفاتهم فقد أشرت في مقال سابق في (عناوين) إلى أن نظام ساهر قد يفتح بابا استثماريا جديدا للبنوك. واقترحت في حينه على البنوك أن تضع ضمن خطط تسويق منتجاتها الإقراضية منتجا جديدا يحمل اسم (قرض ساهر) بفوائد منخفضة حتى لا تشترك مع نظام ساهر في قسوته على الجيوب. وتبقى إشارة أخيرة، إلى أن نظام ساهرالسريع الانتشار يطبق بصرامة مبدأ (اكسر القاعدة وتحمل العواقب) ولو اقتدى المسئولون في الجهات الحكومية بهذه القاعدة مع مرؤوسيهم بالدقة وسرعة الإنجاز لاختلفت خريطة الإنتاج العملي. اعتذار.. بعد التأكيدات الرسمية من وزارة العدل أن الاختراق تم لموقع ديوان المظالم وليس لموقع الوزارة، كما ذكرت في مقالي المنشور في (عناوين). ليس أمامي إلا الاعتذار للقرّاء ولوزارة العدل مع ملاحظة أن المحاكم الجزائية التي تتبعها الوظائف كانت لفترة قريبة جدا تابعة لديوان المظالم. ومع التنظيم الجديد انتقلت من حيث الإشراف إلى وزارة العدل والوظائف المعلنة لملء الشواغر في المحاكم الجزائية بدورها اصبحت تابعة لوزارة العدل. ويكمن اللبس فيمَن نقل لي المعلومات، وهو معروف ومحل ثقة، أنه لم يوضح لي أن الموقع المخترق لديوان المظالم، وإنما ذكر وزارة العدل.. التي ضمت المحاكم الجزائية لها قبل شهرين تقريبا والوظائف التي أعلن عنها قبل مدة، أي قبل الضم. أما عن حضور المتقدمين إلى المقر الذي حدده (الهاكرز) فهذا تم فعلا حسبما ذكرت في المقال. أكرر الاعتذار للقرّاء ولوزارة العدل لما سبّبه مقالي للوزارة من إزعاج، ومعهم الحق في ذلك، مثمّنا لهم الحرص على التوضيح، وبارك الله فيمن صحّح لي أخطائي، والله ولي التوفيق. (محمد السلوم)