بقلم : خالد الفيصل طال عهدي بكتابة المقالات على فترات، حيث أصبحت – رغم أهميتها – ترفاً أمام شرف مسؤوليتي عن منطقة تحظى في قلبي وعقلي بمنزلة خاصة. لكن بعد حديثي في جامعة الملك عبدالعزيز قبل أسابيع عن «منهج الاعتدال السعودي» تلقيت الكثير من رسائل الاستحسان، وطلب الكلمة مكتوبة، فعكفت أعيد النظر في حديثي المرتجل ليناسب مقومات المقالة، حذفا للمكرور وتعديلا وإضافة للإيضاح دون إخلال بالفكرة، محاولا الاختصار ما استطعت فكانت هذه الخلاصة: أتقدم بالشكر لجامعة الملك عبدالعزيز على تهيئة الفرصة للتحدث بقلب مفتوح إلى هذا الجمع الكريم، والاستماع بصدر رحب لما يفيدني من ملاحظات وآراء واقتراحات. وبداية أود أن أتقدم باسمكم، وباسم جميع أهالي منطقة مكةالمكرمة، بالشكر والتقدير والعرفان، لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولسمو ولي عهده الأمين، على كل الاهتمام الذي تحظى به المنطقة خاصة، في إطار النقلة النوعية التي تتبناها القيادة الحكيمة لعموم الوطن في هذه الفترة الزمنية المميزة، فترة الخير والمشاريع والتقدم والتطوير، والانتقال من حالة حضارية إلى حالة أرقى وأسمى وأشرف للإنسان السعودي، موضع الاهتمام والرعاية الأبوية من القيادة. ولا شك أن مملكتكم تمر بهذه المرحلة الانتقالية الهائلة، في فترة متأزمة عالميا، تضطرب فيها الأفكار، وتتصارع التيارات، فترة اتسمت بالحروب والاقتتال وبالحركات المسلحة، داخل الدولة الواحدة، وبين الدول. ثم كانت هذه الأزمة الاقتصادية التي اهتزت لها جميع الدوائر الاقتصادية في العالم، ولا شك أن المملكة جزء حيوي مميز من هذا العالم الكبير، يؤثر فيه ويتأثر، فلم نعد بمعزل كما كنا في السابق الغابر، ولا نستطيع أن نسلخ أنفسنا عما يدور حولنا، أو أن نقيم سياجا على الفكر والثقافة والآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مع هذا التطور الهائل في وسائل الاتصال، وفي الكون الذي غدا صغيرا جدا، تنتقل المعلومة بسرعة بين أرجائه، حتى تصل إلى كل إنسان في بيته وهكذا أصبحنا نتأثر – بصفة مباشرة – بكل ما يجري في هذا العالم، وعلينا أن نوطد أنفسنا للتعايش معه، متوازنين دون تأرجح بين يسار أو يمين. منذ التأسيس وقد نجحت القيادة والسياسة السعودية – ولله الحمد – منذ أن قامت هذه الدولة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله، وتتابعت سياسته الحكيمة في أبنائه، فجنبوا الوطن وإنسانه الكثير من المشكلات والأزمات والصراعات الإقليمية والعالمية، رغم أنه في كل يوم يتزايد التأثير والتأثر بيننا وبين العالم أجمع ويتزايد – تبعاً لذلك – تداول مثيرات الصراعات والفتن. وفي هذا الخضم من الصراعات الفكرية، نجد أن العدوى قد انتقلت إلى داخل المجتمع السعودي، القائم على الشريعة الإسلامية، في محاولات لخطفه إلى هنا أو هناك، وهذا ما دفعني اليوم للحديث معكم عن منهج الاعتدال السعودي وماذا نقصد به، ولا أخفيكم أنني بمثولي أمامكم اليوم يا أرباب هذا الصرح العلمي الشامخ أجازف بنفسي وأضع عقلي في امتحان ليس باليسير لكنه الواجب. فأنا هنا أولاً بصفتي مواطنا مهموما بوطنه وإخوانه المواطنين، ثم بصفتي مسؤولا عن تنمية هذه المنطقة، ومراقبة أعمال جميع الإدارات الحكومية فيها، طبقا لنظام المناطق، وإعمالا لرئاستي مجلس المنطقة، لذلك فور أن بدأت العمل هنا استعنت بمجموعة من رجالها ونسائها لوضع استراتيجية تنموية تساعدنا على تنفيذ الخطط الخمسية التي أقرتها الدولة، ووضعنا برنامجاً لعشر سنوات لتنفيذ ما تعتمده الدولة من ميزانيات وخطط، ومن أهم بنود الاستراتيجية تلك الرؤية عن بناء الإنسان وتنمية المكان، وبناء الإنسان مهمة شاقة وطويلة ومعقدة أكثر كثيراً من تنمية المكان، لذلك حاولنا أن نجد آلية نَعْبر بها إلى ثقافة المجتمع والفرد في هذه المنطقة، ليستوعب الجميع مدى أهمية هذه التجربة التنموية، التي تمر بها المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة ودور كل فيها. وعندما أسسنا «مجلس مكة الثقافي» صدرنا نظامه بالرسالة التي وضعها أعضاؤه عن تأصيل منهج الاعتدال السعودي، منطلقة من رؤية الاعتزاز بالدين والانتماء للوطن، وهي روح البرنامج الثقافي والفكري الذي على كل القيادات الميدانية في المنطقة أن تتبناه في خلال العشر سنوات القادمة، وفيما بعدها إن شاء الله. ويأتي هذا اللقاء امتداداً للقائي السابق في جامعة أم القرى حيث تحدثت عن الاستراتيجية، واليوم نخصص لقاءنا لجملة واحدة وردت في البرنامج الثقافي لهذه الاستراتيجية وهي «تأصيل منهج الاعتدال السعودي» ماذا نقصد به؟ وكيف نؤصله؟ في البداية نعرف جميعا أن معنى كلمة اعتدال في معاجم اللغة هو الاستقامة، واستقامة الشيء تعني أنه استوى واعتدل، والاعتدال كذلك من العدل والعدالة، والعدل هو القسط، والوسط بين الإفراط والتفريط، والإنسان العدل هو من تغلب حسناته على سيئاته، هذا بعض ما قرأت، وبإمكانكم أن تفيدونا أكثر بعلمكم. ما هو منهج الاعتدال السعودي؟ لا أريد أن أبدأ منذ الدولة السعودية الأولى أو الثانية ولكن أود أن أنبه إلى أن حركة الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب – يرحمهما الله – كانت توصف في البداية بأنها حركة إصلاحية تجديدية، وأرجو أن تركزوا على هذا الوصف (إصلاحية تجديدية) وأترك لكم بحث فحواه وتداعياته، لأمر مرور الكرام على الدولة السعودية الثانية لأنها امتداد للأولى، حتى أصل إلى الغاية التي أصبو إليها وهي الدولة السعودية المعاصرة. توازن الفكر والمنهج بدأ تكوين هذه الدولة الثالثة منذ فجر اليوم الأول على دخول الملك عبدالعزيز الرياض، فماذا فعل الملك المؤسس؟ وكيف بدا منهج الاعتدال؟ أولاً: اختار عبارة التوحيد راية لهذه البلاد، وأعلن أن الكتاب والسنة هما دستورها، وهنا تأصيل لهوية الدولة بأنها دولة إسلامية، ثم ولأول مرة في التاريخ تدخل كلمة «العربية» في مسمى دولة في العالم العربي، وهنا يبدو الاعتدال مرة أخرى فهو يؤكد عروبة هذه الدولة، ثم جاءت كلمة (السعودية) تأصيلاً ثالثاً لمنهج الاعتدال الذي سارت عليه الدولتان السعوديتان الأولى والثانية، ومنذ البداية نجد أن هناك توازناً في التوجه الإسلامي والعروبي والهوية السعودية، والتزام من شرفهم الله سبحانه وتعالى بأن يكونوا بجوار بيته العتيق في مكةالمكرمة، بأن يكونوا أصحاب فكر إسلامي، ومنهج إسلامي، وتوجه إسلامي، شكراً لله الذي شرفهم بخدمة البقعة المباركة. ثم بدأ المؤسس بالتنمية والتطوير لنقل ذلك المجتمع القبلي الأمي إلى مجتمع مدني متحضر من خلال بناء الهجر وتوطين البادية، وأرسل لهذه القرى والهجر المعلمين والقضاة والدعاة يعلمونهم القراءة والكتابة وأمور دينهم، ثم فتح المدارس، وحفر الآبار ليساعدهم على الزراعة والتوطين والحياة المستقرة. بعد ذلك بدأ الملك عبدالعزيز بناء المؤسسات الحكومية بوزارتي الخارجية والمالية ثم وزارة الدفاع ومجلس الوزراء، وبعد هذا التأسيس الإداري والتطوير الثقافي تبنى مشروع التحديث فأدخل السيارة والطائرة والقطار والمبرقات والراديو، وظهرت ردة فعل بالرفض من بعض أفراد ومجموعات في المجتمع لأن الإنسان عادة عدو ما يجهل، ودائماً ما يرفض الجديد لأنه لا يستطيع التعامل مع ما لا يفهم، وحين تطور الأمر إلى حركة مسلحة واجهت الملك عبدالعزيز اضطر أن يواجهها حرباً بحرب وانتصر عليها، وفرض التحديث والتطوير فرضاً على أساس منهج الاعتدال السعودي، وهنا نلاحظ الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، والموازنة بين التمسك بأهداب الدين والقيم الإسلامية من جهة، والاستفادة على الجانب الآخر من المكتسبات العلمية الحضارية، من الداخل والخارج بضوابط المجتمع المسلم، وهذا هو منهج الاعتدال. بل إن الملك عبدالعزيز – يرحمه الله -، وقبل قيام الجامعة العربية بسنوات قد شكل مجلساً استشاريا ضم مجموعة ممن لهم باع طويل وخبرة عالية في السياسة والاقتصاد والعلوم الأخرى، وكان بينهم المصري والليبي والسوري واللبناني وإن لم تخني الذاكرة كان بينهم أيضاً عراقيون، وذلك بطبيعة الحال إضافة إلى الشخصيات السعودية على المستوى ذاته. وعندما رأى الملك عبدالعزيز أكثر من منبر في الحرم المكي، كل حسب مذهبه يصلي وراء إمامه، قضى على هذا الشتات بتوحيد المنبر وتعيين شيخ مصري شافعي إماماً للحرم المكي كان يدعى «أبو السمح» ليؤصل الملك عبدالعزيز منهج الاعتدال فلا تشدد ولا تحيز أو تعصب، وأن التحديث يأتي اتباعا لدعوة الخالق – جل وعلا – الإنسان لعمارة الأرض وترقيتها مع عبادته جنباً إلى جنب، والاستفادة من الفكر في أي مكان، ما لم يخالف شريعتنا. وانتصر الاعتدال على التطرف دائما منذ بداية هذا العهد، واستمرت مواجهته بعد الملك عبدالعزيز، ففي عهد الملك سعود بدأ فتح مدارس للبنات رغم اعتراض البعض الذين هم اليوم أول من يلح على تعليم بناتهم، وانتصرت مسيرة التطوير. وفي عهد الملك فيصل كانت هناك قوة تمثل أحد قطبي العالم مدت أصابعها للعالم العربي بالمذهب الشيوعي الذي تغشى الكثير من الحكومات والأحزاب الاشتراكية العربية، وجرت محاولات لنقل المذهب إلينا ولكن لأن هذه الدولة إسلامية والمجتمع والقيادة مؤتمنان فقد تمسكت بدينها الحنيف رغم الحملات العديدة إعلامياً وثقافياً بل ومحاولات مسلحة للتأثير على هذه البلاد ووجهت بكل إصرار وعزم وثبات، كما تم دخول التلفزيون، وانتصر فيصل والمنهج المعتدل على التطرف في الداخل والخارج. وقد زامن انتصار منهج الاعتدال السعودي دائماً حركة تطويرية بإنشاء العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية وتنظيم البنوك وتعليم المرأة وانطلاقة التلفزيون وتحرير الرق وما عرف في ذلك الوقت بالعشر نقاط التي ضمنها الملك فيصل بيانه عندما تسلم رئاسة الحكومة في عهد الملك سعود – يرحمهما الله – واستطاع المنهج السعودي أن يتغلب على التطرف الذي لم يستكن بل عاود محاولاته مرة أخرى في عهد الملك خالد بحركة جهيمان التي كدرت ذلك الشعور بالرخاء وما سمي بالطفرة في ذلك الوقت وكان كل المجتمع يتسابق لإنهاء المشاريع بأسرع وقت ممكن إلا أن تلك الحركة الخبيثة أثرت وأساءت لتلك الحقبة من الزمن، ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي فيقضي على المجموعة التي احتلت الحرم ومنعت الصلاة فيه لأسابيع، ولكن بقي الفكر المتطرف ناراً تحت الرماد، حتى انطلق مرة أخرى في عهد الملك فهد، وبدا هذا التناغم الغريب بين التطرف الداخلي ممن يتبنون الفكر التكفيري، والتطرف الخارجي من صدام حسين الذي يتبنى الفكر الإلحادي وقد غزا الكويت على أساسه. غيروا جلودهم ويبين لنا ذلك أن هذا التطرف الذي ارتدى عباءة الإسلام ليس من الإسلام في شيء وإنما هو حركات سياسية تريد الاستيلاء على السلطة هنا وهناك، كما تبين لنا في جميع هذه الحركات من قاعدة بن لادن والظواهري وطالبان إلى حركات أخرى مبثوثة في كثير من أنحاء العالم العربي و الشرق الأوسط والتي أساءت إلى الإسلام والمسلمين. وهنا مرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي ممثلا بإصرار الملك فهد على الوقوف بقوة وثبات في وجه التيارات الداخلية والخارجية إلى أن تحررت الكويت وعادت لها الشرعية، وهزم ذلك التطرف الملحد، وعلى الجانب الداخلي اضطر الكثير من قيادات التطرف الفكري التكفيري إلى تغيير جلودهم وتبني الوسطية والاعتدال. ثم جاء عهد الملك عبدالله الزاهر بالخيرات وبالتغيير الذي يهدف التطوير وليس التغيير للتغيير فحسب. وهنا نجد أن التطرف لم يهادن بل جاء هذه المرة تكفيريا تفجيريا، يجند الكثير من شبابنا ليفجروا أنفسهم بين إخوانهم من المسلمين أو المقيمين في ذمتنا، يخربون شوارعهم ويحطمون مكتسباتهم الحضارية. ومرة أخرى ينتصر منهج الاعتدال السعودي وتتفوق المواجهات الأمنية على هذه الحركات التكفيرية التفجيرية التي أساءت إلى كثير من أسرنا بتضليل أبنائها وجذبهم إلى هذا الطريق التخريبي. وقد نجم عن ظهور هذا التيار التكفيري ظهور تيار متطرف على الجانب الآخر وأعني به «التيار التغريبي» وبالتالي أصبح لدينا تطرف من جهتين تكفيري وتغريبي، فالتكفيري يريد أن يسلخنا عن دنيانا، والتغريبي يريد أن يسلخنا عن ديننا، وكلاهما له أجندة وبرنامج، هذا يريد أن يوقف كل تعامل مع الآخر ويستحل دم من يختلف معه في الرأي ويعمد إلى التدمير والتخريب بصرف النظر إن كان بين ضحاياه نساء وأطفال من المسلمين أو غير المسلمين. وقد انتهز التيار التغريبي هذا التطرف ليقدم للمجتمع السعودي البديل بنقل الفكر والنظم والقيم الغربية وتطبيقها على هذا المجتمع بصرف النظر عن أن بعضها يخالف عقيدتنا الإسلامية، وأصبحنا بين تيارين كلاهما مضر وكلاهما مدمر. ما يهمني في هذا الحديث هو أن كلا التيارين يحاول خطف منهج الاعتدال السعودي الذي بدأ معنا منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى اليوم، هذا المنهج الوسطي الذي نجح في توحيد هذه البلاد وتطويرها وانتصر على جميع الأزمات والحملات التي استهدفت الوطن وهو المنهج الذي وقف أمام الجهل والفقر في بداية إنشاء الدولة السعودية وأمام ذلك التطرف الذي أراد أن يوقف التحديث، وانتصر هذا المنهج على المد الشيوعي كما انتصر على التطرف الفكري المتشح برداء الإسلام في حركة جهيمان وما بعدها، وهو المنهج الذي تقوم عليه البلاد حتى اليوم والذي حقق لنا نهضة فكرية ثقافية اقتصادية، فنحن الآن نبني مدنا اقتصادية وجامعات بالعشرات، ولنا في العالم قيمة فكرية وقيمة إسلامية وعربية وعالمية، وما كان باستطاعتنا أن نحظى بكل ذلك ما لم نتمسك بالمنهج المعتدل في ديننا وننتصر على التطرف بنوعيه، وما لم نثبت للعالم أن نظامنا الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، فدولتنا تقدمت أكثر كثيراً من تلك التي ابتعدت عن الدين، وتلك التي تقوقعت في بيات طويل، كما أثبتت مملكتنا أن النظام الإسلامي هو الأكثر صموداً أمام أزمة الاقتصاد العالمي (الحر)، حيث كانت هي الأقل تأثراً بالأزمة العالمية الطاحنة. حنكة القيادة وكنت قد كتبت – قبل سنوات – عن الجهل بالقيمة والمفارقات العجيبة، وذكرت أن قيمة الإنسان السعودي والدولة السعودية معروفة عند العالم أجمع إلا عند الإنسان السعودي فهو لا يعرف قيمة نفسه شخصياً ولا قيمة بلاده عالمياً وأن المملكة غدت من أفضل دول العالم وأهمها. وقد يدور في ذهن البعض أن هذا عائد لحيازتها البترول، ولكنهم ينسون أو يتناسون أن هناك دولاً كبيرة فيها بترول وأنهار وزراعة وتاريخ حافل بالحضارة ولكنها لم ترق دولياً إلى درجة مملكتكم هذه. فالتقدير لحنكة القيادة في المملكة وللإنسان السعودي وفكره ومنهجه وقيمه التي استطاع بها أن يستفيد من البترول في حين لم يستفد الآخرون. وكما قال خادم الحرمين الشريفين نحن لدينا أهم من البترول، ديننا الإسلام والكعبة المشرفة، فالعرب لم تقم لهم قائمة إلا بالإسلام وهو ثروتنا الحقيقية. مع أنه للأسف الشديد فإن بعض التيارات المتطرفة التغريبية يعتقدون – إما عامدين وإما مضلّلين – أن الدين الإسلامي من أسباب التخلف متجاهلين مرحلة العولمة الإسلامية العربية والدين في أوج عهده عندما قال هارون الرشيد للسحابة: أمطري أنى شئت فسيأتيني خراجك. فالإسلام ليس دين تخلف أو ركود أو جمود، بل على العكس أراده الله دين تقدم ورقي وحضارة، وإننا لنجد كل القيم التي يتغنى بها الغرب في العصر الحديث من العدل.. والمساواة والحرية هي في صلب الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، وإذا كان هناك تقصير ما من بعض المسلمين فلا يجب أن يجير على الإسلام، بل يجب أن يتحمل المقصرون وحدهم وزرهم ويحاولوا إصلاحه، ونحن نفخر في هذه البلاد بأننا نتمسك بالإسلام الذي يحافظ على المكتسبات الحضارية في هذا العصر وكل عصر. ما أريد أن أصل إليه دون إطالة هو أن منهج الاعتدال السعودي هو المنهج الصحيح للإنسان العربي المسلم المتقدم والمتطور. وأريد أن أختم بقولي إننا في هذه البلاد قد أكرمنا الله بجوار بيته العتيق ومسجد نبيه الكريم «صلى الله عليه وسلم»، وبخدمة دينه وعباده المسلمين، ولابد أن نثبت للعالم أننا أهل لهذه المسؤولية مهما ثقلت أعباؤها، وقد جاهد واجتهد أجدادنا وآباؤنا للوصول بنا إلى هذه المرحلة الحضارية بعدما كنا قبائل متفرقة نتقاتل كالجاهليين على الماء والكلأ وفي خلال خمسة عقود أو ستة استطعنا أن نبني بلادنا بتفوق، وأن ننتصر على من تخلوا عن دينهم مغررين ببريق التغريب، وعلى أولئك المغررين بالرأي الواحد المتطرف، وبلغ بنا التقدم مبلغه بأن السعودية هي الدولة الوحيدة العربية في عضوية أقوى قمة اقتصادية عالمية (قمة العشرين)، وفي هذا أحدث دليل على سلامة منهج الاعتدال السعودي. وإننا في هذه البلاد نقول بكل ثقة وثبات: لا للتطرف.. لا للتكفير.. لا للتغريب.. نعم للاعتدال: في الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة.. إنه الدين الحياة.. إنه الإسلام الحضارة.. إنه منهج الاعتدال السعودي. نقلا عن جريدة الوطن السعودية