لم يصل معدل المشاركة الشعبية في الإضراب الذي دعت إليه بعض قوى المعارضة في مصر الذي انطلق الإثنين 6/4/2009, إلى مستوى الدعاية التي سبقت الحدث. وعاشت مصر الإثنين يوما من التناقضات، فبينما كان نشطاء سياسيون يقفون أمام عدد من المواقع السياسية والتعليمية المهمة تعبيرا عن مشاركتهم في إضراب عام دعت إليه جماعات معارضة؛ شهدت المواقع نفسها نشاطا صاخبا نظمه موالون للحكومة, ووصل إلى حد إقامة حفلات فنية شارك فيها الآلاف. ورغم المشاركة المحدودة للقوى السياسية الكبرى، قال منظمو الإضراب: إنهم حققوا هدفهم، خصوصا على صعيد إبراز مطالب فئات اجتماعية تشكو غلاء المعيشة, وقوى سياسية تطالب بمزيد من الحرية. وشاركت في تنظيم الإضراب الذي أقيم تحت شعار "حقنا وهناخده", قوى معارضة جديدة مثل حركة كفاية, حركة شباب 6 أبريل, وطلاب وعمال وقيادات نقابية. وكان التجمع الأبرز للمضربين أمام نقابة الصحفيين وسط القاهرة, حيث تظاهر نحو 100 ناشط، وهو العدد نفسه الذي تجمع أمام الاتحاد العام لعمال مصر، ما اعتبرته الحكومة دليلا على هشاشة جماعات المعارضة المنظمة للإضراب، بينما رآه المنسق الإعلامي لحركة 6 أبريل محمد عبد العزيز نتيجة حملة الاعتقالات التي شنتها أجهزة الأمن في أوساط المعارضين. وأكد عبد العزيز أن أجهزة الأمن ومسؤولي الأحياء أطلقوا حملة موسعة لطمس عبارات الدعوة إلى الإضراب من على الأسوار الملاصقة لجامعة القاهرة وعين شمس وبعض الأحياء الشعبية . وواجهت إدارة جامعة عين شمس الدعوة للإضراب داخل الجامعة بالإعلان عن إقامة حفل غنائي كبير للمطرب محمد حماقي، وقال منظمو الإضراب: إن هذا الحفل لم يؤثر في مشاركة الطلاب في الإضراب، موضحين أن عدد المشاركين قدر بالآلاف. أما في جامعة القاهرة فتجاوز عدد المضربين 5 آلاف طالب ينتمون إلى حزب العمل المجمد واليساريين والإسلاميين، علما أن الجامعة التي قامت بتنظيم حفل فني صاخب في توقيت الإضراب نفسه، وسمحت لوفد من طلاب المعارضة بمقابلة مسؤولين كبار فيها لعرض مطالبهم الطلابية, ومن بينها إلغاء العمل بلائحة تنظيم النشاط التي تقيد النشاط السياسي داخل الجامعة. وعلى الرغم من رفضه السابق للمشاركة في الإضراب، حوّل المرشح الرئاسي السابق مؤسس حزب الغد أيمن نور، والنائب السابق وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور عصمت السادات وقفة احتجاجية نظماها ضد تصدير الغاز لإسرائيل أمام مجلس الدولة إلى جزء من مشاركة الحزبين فيما أطلق عليه "يوم الغضب". وخلال الوقفة، أعلن نور إطلاق ما أسماه "إعلان القاهرة", الذي يطالب من خلاله بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد وفقاً لأحدث المعايير الدولية، فيما قال النائب السابق محمد أنور السادات: إن الجمعية التأسيسية للدستور ستتقدم خلال العام التالي باقتراحات لمشروعات قوانين، لعرضها على البرلمان بملامح التعديلات المطلوبة على القوانين المكملة للدستور، وخاصة قوانين مباشرة حقوق السياسية والأحزاب وانتخاب رئيس الجمهورية ومجلس الشعب وجميع القوانين المنظمة لإعلان الحريات العامة للشعب والمنظمة لحقوقه الأساسية كأفراد وجامعات. وفي خطوة تصعيدية ضد الحزب الوطني الحاكم، طالب نور بقطع كل الطرق أمام ما وصفه بمشروع التوريث، داعيا إلى تكثيف الجهود لإقامة الدولة المدنية، ودعم حقوق المواطنة، ومنع توغل الذراع الأمنية في مناحي الحياة كافة. كما فاجأ نواب جماعة الإخوان المسلمين المتابعين بإعلانهم الانضمام إلى الإضراب، على الرغم من تأكيد الجماعة عدم مشاركتهم في الإضراب. وقال بيان أصدره نواب الإخوان والمستقلين: "إننا نحن نواب الشعب الموقعين على هذا البيان نعلن تجاوبنا مع نداء الواجب الذي تداعت له جموع الشعب تعبيرا عن غضبها من سياسات حكومية باطشة وخاطئة, مع الإصرار الآن على التغيير الحتمي تحقيقا لآمالها وتطلعاتها في حياة كريمة". وأضاف البيان: "لقد آن الأوان أن يعيش شعب مصر حياته بكرامة وحرية ويمارس حقوقه الدستورية كاملة وغير منقوصة.. لقد ضاق الشعب من حالة الطوارئ المستمرة منذ 28 عاما متصلة, التي شملت انتهاكات متكررة ومستمرة لحقوق الإنسان ومصادرة للآراء والاعتقالات العشوائية والمحاكمات العسكرية والاختفاء القسري والتعذيب حتى الموت". وتعبيرا عن تضامنهم مع المضربين, انسحب نواب الإخوان والمستقلين من جلسة برلمانية ألقى خلالها رئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف بيانا حول تعامل مصر مع الأزمة المالية العالمية. وتحولت مدينة المحلة الكبرى إلى ثكنة عسكرية قبل ساعات من بداية الإضراب، وقال شهود عيان: إن سيارات الأمن المركزي انتشرت بالميادين الكبرى للمحلة مثل ميدان المحطة وميدان الجمهورية في شارع البحر بالتزامن مع الذكرى الأولى للمظاهرات العمالية التي وقعت العام الماضي في المدينة أثناء الإضراب. وأكدوا أن أفرادا من الشرطة يرتدون ثيابا مدنية انتشروا في المدينة، وقاموا بتفتيش عدد كبير من المواطنين. في المقابل، شنت حركة "14 فبراير" القريبة من الحكومة, هجوماً حاداً على الداعين للإضراب، وقالت: إنهم خارجون عن سياق التاريخ، ومعول هدم وتخريب. وأكدت الحركة في بيان لها، أن "الإضراب حق مكفول للجميع طبقاً للمواثيق الإنسانية، أما الدعوة لإضراب 6 أبريل فهي خارج مسيرة التاريخ، ونحن ننكر أن تكون الحقوق المكتسبة لنضال الإنسانية معول هدم وتخريب للوطن". ووجه البيان انتقادات لحركة "شباب 6 أبريل" الداعية للإضراب العام، مشيراً إلى أنها لم تعلن عن أهداف واضحة أو آليات جلية، وإنما اعتمدت على التعميم، واستندت إلى استنساخ فعل الإضراب من العام الماضي، دون قراءة واعية للظروف التاريخية اليوم، التي هي مختلفة تماماً عما حمله لنا الأمس.