تترقّب الأوساط السياسية في مصر بحذر شديد ما ستسفر عنه دعوة إلى إضراب شامل اليوم، أطلقها معارضون عبر موقع «فيس بوك» على الإنترنت، احتجاجاً على «الأوضاع الاقتصادية الصعبة» وللمطالبة بوضع حد أدنى للرواتب يتماشى مع ارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد منذ عامين، وبتغيير عدد من مواد الدستور. واستنفرت القوى السياسية أمس على اختلاف اتجاهاتها استعداداً للساعات الأخيرة قبل موعد الإضراب الذي تقرر اليوم تزامناً مع ذكرى أول إضراب نفذته الحركة في 6 نيسان (أبريل) الماضي، ففي وقت واصلت حركة «شباب 6 أبريل» محاولاتها لحشد أكبر عدد ممكن من المشاركين، حشد «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم أنصاره لإفشال الإضراب. وروّج «شباب 6 ابريل» على مدى الشهرين الماضيين لدعوتهم عبر الإنترنت تحت اسم «يوم الغضب»، وطالبوا المصريين بارتداء ملابس سوداء والاعتصام في أماكن عملهم. وتلقفت قوى معارضة الدعوة الجديدة وبدأت في نشرها، كما دعمتها جماعة «الإخوان المسلمين». وعقد الائتلاف الديموقراطي المعارض المشكّل من «حزب الجبهة الديموقراطية»، و «حزب الكرامة» (تحت التأسيس)، و «الحركة المصرية من أجل التغيير» المعروفة باسم «كفاية»، وحركة «6 أبريل» اجتماعات عدة، قرر خلالها دعوة أنصاره إلى التظاهر أمام مقار حكومية وفي ميادين عدد من المحافظات. وتضامن مع دعوة الإضراب حزب «الغد» الليبرالي المعارض الذي يسعى إلى العودة إلى الواجهة منذ الإفراج عن زعيمه ومؤسسه الدكتور أيمن نور، وحركات عمالية وجماعة «الإخوان» التي أكدت أن الإضراب حق يكفله الدستور والقانون للتعبير عن رفض سياسات أو أوضاع، لكنها في الوقت ذاته لم تؤكد مشاركة عناصرها ومناصريها في الإضراب، وطالبت المشاركين في الإضراب «بالتزام الوسائل السلمية في تعبيرهم والحرص على الضوابط القانونية والممتلكات العامة والخاصة». وفي حين تتكتل قوى المعارضة لإنجاح الإضراب، يسعى الحزب الحاكم في المقابل إلى إحباطه. وبدأت أمانة الشباب في «الوطني» أول من أمس حملة أطلقت عليها اسم «عطاء الشباب» بدا أن هدفها مجابهة الدعوة إلى الإضراب، بشعار: «شباب فاهم أولوياته... يكمل ويبني حياته». وقال مصدر في الحزب ل «الحياة» إن هذه الحملة مجرّد «عرض إعلامي» الهدف منه «إبعاد الأنظار عن الدعوة إلى الإضراب وتوجيهها إلى حملات إعلامية ليس إلا، تهدف إلى تنظيف الشوارع والتبرع بالدم وتشجير المناطق وأعمال تطوعية أخرى». وأوضح أن «الوطني بدأ في توزيع لافتات ترويجية لهذه الحملة في الشوارع والميادين الرئيسة، إضافة إلى الجامعات». وأشار المصدر إلى «ارتباك شديد» داخل أروقة الحزب بسبب انضمام حركات عمالية وفئات شعبية لها مطالب اقتصادية إلى الإضراب، «وهو ما يصعّب من المواجهة، لذلك نحاول الرد على دعوة الإضراب بهذه الحملة، لأن القيادة ترى أن حزباً بحجم الوطني لا يمكن أن يرد على مجموعة من الشباب، وأنه لن يستطيع مواجهة الدعوة باعتقال أعداد كبيرة من شباب الحركة الداعية إلى الإضراب». وتزامناً مع إطلاق تلك الحملة، أبرزت الصحف الحكومية اجتماعات مجلس الوزراء لتحديد قيمة العلاوة الاجتماعية التي ينتظر أن يعلنها الرئيس حسني مبارك في احتفالات عيد العمال نهاية الشهر الجاري. وأبرزت هذه الصحف تكليف الرئيس حكومته «بمراعاة محدودي الدخل»، نافية على لسان مسؤولين حكوميين «ما رددته صحف معارضة ومستقلة عن توجيه قيمة العلاوة الاجتماعية إلى الاستثمار». وشهدت مصر دعوتين إلى الإضراب العام، الأولى كانت في 6 نيسان الماضي واستطاع الداعون إليها تحقيق نجاح محدود، ولو إعلامياًَ، بعد ما شهدته من أحداث عنف في مدينة المحلة الكبرى (شمال القاهرة) خلّفت قتيلين وعشرات المصابين، أما الثانية التي كانت في 4 آيار (مايو) الماضي، فلم تحظ بأي نجاح رغم إعلان «الإخوان» مشاركتهم فيها، إذ استطاعت الحكومة مجابهتها بإعلان الرئيس مبارك رفع العلاوة الاجتماعية إلى 30 في المئة، قبل يومين من الموعد المقرر للإضراب. وينظر الشارع السياسي إلى دعوة اليوم بمزيد من الترقّب طارحاً أسئلة عدة عن إمكان اجتذاب المعارضة المتكتلة الشارع للمشاركة في الإضراب، وعن نجاعة التحرك الحكومي لإبطال مفعول تلك الدعوة مثل سابقتها. وبين تكتل المعارضة ومحاولات «الوطني»، يبقى المواطن «فرس الرهان»، فالشارع دائماً لا يعبأ بدعاوى المعارضة ولا ببيانات الحزب الحاكم وحكومته في غمرة انشغاله بالبحث عن «لقمة عيشه».