منذ أن أضرب نحو 1700 عامل في شركة الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى (دلتا النيل) في مطلع عام 2006، ونجحوا بعدها في إجبار الحكومة على التحرك واستجابة مطالبهم، عرفت مصر موجة غير مسبوقة من الإضرابات تفوق في عددها ونطاقها وتنوع القطاعات التي جرت فيها كل ما عرفته مصر في العقود السابقة. ولم تقتصر هذه الإضرابات على الطبقات العمالية وإنما شملت فئات أخرى كان ينظر إليها في أوقات سابقة على أنها فئات مرموقة. لكن الغضب العمالي المتزايد يوماً بعد يوم بات يشكل على ما يقول بعض الأوساط خطراً على سعي الحزب الوطني الديموقراطي (الحاكم) إلى انتزاع الغالبية في الاستحقاقات التشريعية المقبلة، خصوصاً في ظل استغلال عدد من قوى المعارضة المشاكل التي يعانيها العمال في الترويج للفكرة التي أطلقها المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي والتي تفيد أن «تلبية المطالب المعيشية تبدأ من إجراء إصلاحات واتجاه البلاد إلى ديموقراطية حقيقية تجعل المواطن قادراً على محاسبة حكامه». وقد تلقفت هذه الفكرة بعد البرادعي تيارات معارضة وبدأت في الأيام الأخيرة تروّج لها. واستحوذت الاحتجاجات العمالية على المساحة الأكبر من المناقشات في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للسياسات في الحزب الوطني الذي خصص لمناقشة البرنامج الانتخابي لمرشحي الوطني في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى والتي تلتئم في مطلع حزيران (يونيو) المقبل. وطالب الأمين العام للسياسات جمال مبارك الحكومة بتفاعل وإيجابية أكثر في التعامل مع المطالب المشروعة للمواطنين، مؤكداً أن الحزب يرى أن الاعتصامات «ظاهرة جديدة في مجتمعنا وفي جزء منها تمثل ظاهرة إيجابية لفئات في المجتمع تعبر عن رأيها في إطار القانون»، معتبراً أن تلك الاحتجاجات العمالية «جزء من عملية التجديد التي يمر بها المجتمع... وأن الإصلاح دائماً يخلق مشاكل جديدة يجب التعامل معها». وبحسب تقرير حقوقي صدر أخيراً ل «مركز الأرض» تضمن رصداً للحركة العمالية خلال شهر آذار (مارس) الفائت، رصد المركز 22 اعتصاماً عمالياً و11 إضراباً و10 تظاهرات و8 وقفات احتجاجية، فيما تسبب سوء الوضع المعيشي في انتحار ثلاثة عمال. ودعت جماعات عمالية وحركات احتجاجية ومنظمات حقوقية وأحزاب إلى تظاهرة اليوم الأحد أمام مقر مجلس الوزراء في وسط القاهرة للمطالبة بزيادة الأجور للتواكب مع الأسعار، وتنفيذ حكم أصدرته قبل شهر المحكمة الإدارية العليا في مصر أمرت فيه الحكومة بوضع حد للأجور قدّرته المحكمة بمبلغ 1200 جنيه شهرياً. ويؤكد مراقبون أنه في حال لم تتمكن الحكومة المصرية خلال الفترة المقبلة من تهدئة الغضب العمالي فإن الحزب الحاكم قد يواجه معضلة كبيرة في الانتخابات التشريعية المقبلة، خصوصاً في ظل الحراك السياسي الذي تشهده البلاد منذ عودة الدكتور محمد البرادعي واتجاه عدد من القوى المعارضة إلى استقطاب كتلة العمال في صفها. وكان البرادعي التقى، قبل أيام من مغادرته البلاد الشهر الماضي، وفداً عمالياً نقل إليه تضامنه مع دعوته إلى التغيير والإصلاح، فيما عبّر البرادعي عن وقوفه في صف مطالب العمال المشروعة. وأعلنت نحو 40 جهة مشاركتها في تظاهرة اليوم تتقدمها «الحركة المصرية من أجل التغيير» («كفاية») وشباب «6 أبريل» ونواب جماعة «الإخوان المسلمين» وأحزاب «الكرامة» (تحت التأسيس) و «الغد» و «التجمع»، إضافة إلى عدد من الحركات العمالية والمنظمات الحقوقية. وشددت حركات عمالية في بيان لها صدر أمس على أنها لن تقف أمام السياسات الحكومية «مكتوفة الأيدي» بل ستستمر في خوض ما وصفته ب «واحدة من أهم وأطول المعارك النضالية». وأوضحت أن معركتها الجديدة في شأن الحد الأدنى للأجور في المجتمع مستمرة ولن تتوقف، إذ قامت بتظاهرة في 3 نيسان (أبريل) الماضي وستقوم اليوم ب «استكمال برنامجها النضالي والمطلبي بالتظاهر أمام مجلس الوزراء في الساعة الثالثة عصراً ثم تنتقل إلى مؤتمرها الإحتفالي بالعيد في الساعة السادسة في دار نقابة الصحافيين». وطالب البيان الذي تلقته «الحياة» ب «إقرار الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الأسعار ورفعه سنوياً وفقاً لنسبة التضخم في المجتمع»، وتنفيذ حكم المادة 23 من الدستور بوضع حد أقصى للأجور بما يكفل تقريب الفروق بين المداخيل، ووقف عرض قانون التأمين الاجتماعي على مجلس الشعب لما يمثله من «إهدار وعدوان» على الحقوق ويسهّل سيطرة الدولة على أموال التأمينات، ووقف سياسات خصخصة الهيئة العامة للتأمين الصحي، وكذلك إطلاق الحريات النقابية وإلغاء قانون النقابات العمالية.