ما بال مجتمعنا لا يكتشف صفات رموزه ولا يتحدث عنهم ولا يهتم بتكريم من يستحق التكريم إلا بعد رحيلهم؟! أقول ذلك ونحن نودع هذه الأيام رمزا ومؤرخا وأديبا وإعلاميا هو الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي – رحمه الله – الذي وإن كان قد نال بعض التكريم حيث منح “وسام الملك عبدالعزيز ضمن المكرمين في مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة” وهذا تكريم رفيع من الدولة لكن مسيرته التي ظهرت من خلال الكتابات واللقاءات عن إنجازاته تستحق المزيد.. والمؤمل أن تكلف جهة بمتابعة الرموز وقراءة تاريخهم واقتراح منحهم ما يستحقون من تكريم وهم على قيد الحياة.. ولقد استمعت إلى لقاء قديم أجراه الزميل محمد رضا نصر الله عام 2006 فوجدت أن الرجل يملك ثروة من المعلومات عن تاريخنا الإعلامي منذ عهد تأسيس الدولة السعودية على يد الملك عبدالعزيز- رحمه الله – وكيف كان لأبناء بلادنا المقيمين في الدول التي نشأ الإعلام فيها مبكرا الدور الأول للتعريف بالدولة السعودية الوليدة عبر صحف صدرت في بغداد والبصرة ومصر. وأجرى بعض هؤلاء حوارات مع الملك عبدالعزيز شخصيا، نشرت في تلك الصحف.. وعودة إلى تاريخ الفقيد الشبيلي نفسه نقول إن آخر عمل كتابي أصدره هو كتابه “مشيناها” الذي يعد سيرة ذاتية بأسلوب شيق، وقدم للكتاب بإيراد بيتين من الشعر هما: مشيناها خطى كتبت علينا **** ومن كتبت عليه خطى مشاها ومن كانت منيته بأرض **** فليس يموت في أرض سواها سبحان الله، كأنه كان يتحدث عن خطوته الأخيرة التي مشاها للشرفة التي وقع منها في منزله بأرض الغربة.. لكن الإيمان القوي – الذي يسود مجتمعنا ولله الحمد – يجعل الكل ومنهم أقرب الناس إليه يؤمنون بأن هذا يومه المحتوم فتحزن قلوبهم وتدمع عيونهم ولكن لا يقولون إلا ما يرضي ربهم كما قال نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم. ومن ذكرياتي عن الفقيد الدكتور عبدالرحمن الشبيلي أنه حينما بدأ تلفزيون الرياض “أبيض وأسود” وكان مديرا للبرامج يقوم كل ليلة بعد انتهاء البث باصطحاب زملائه وهم يعدون على الأصابع، في سيارته الخاصة، وينطلق بهم إلى “قهوة العويد” على طريق خريص لا للتسلية والأحاديث الهامشية وإنما لنقد عملهم في ذلك اليوم واستدراك الأخطاء في اليوم التالي.. يا لهم من شباب رائعين، توفي بعضهم – رحمهم الله – وبقي منهم القليل ولا أريد أن أذكر الأسماء لكي لا أنسى البعض منهم.. وقد شرفني الأستاذ الشبيلي “ولم يحصل على الدكتوراه آنذاك” باختياري كصحافي محاور مع الدكتور غازي القصيبي وزير الكهرباء – رحمه الله – وذلك في برنامج “حديث الأصدقاء” الذي كان يقدمه فقيدنا العزيز ويشرك معه شخصا متخصصا في عمل الضيف، إضافة إلى صحافي يطرح أسئلة عامة الناس. وأخيرا: قلت في تغريدة في منتصف شهر أيار (مايو) الماضي إنني تسلمت نسخة من كتاب عن الدكتور سليمان السليم – رحمه الله -، واقترحت إصدار كتب عن كوكبة من الرموز يستحقون الثناء وهم أحياء وخير من يتولى ذلك الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، ورد على ذلك برسالة مختصرة تحمل كثيرا من التواضع قال فيها “حسن ظن أقدره من أخ كريم عزيز”، بل أنت الكريم والعزيز صاحب الخلق الحسن الذي هو أول ما يوضع في الميزان.. ويبقى بعد ذلك أن يكرم ذلك الرمز بإطلاق اسمه على إحدى قاعات جامعة الملك سعود التي أعمل فيها أستاذا، أو في مركز الملك فهد الثقافي لدوره الإعلامي.. رحمك الله يا عفيف اليد واللسان، الذي اجتمع الناس على حبه وظهر ذلك جليا عند الصلاة عليه والتعازي لأسرته الكريمة وللوسط الإعلامي والثقافي وللوطن عامة. علي الشدي نقلاً عن (الاقتصادية)