قرار الولاياتالمتحدة المفاجئ بالانسحاب من سوريا سيُلقي المنطقة في أتون مرحلة جديدة من عدم الاستقرار والمفاوضات، وسيكون له تداعيات كارثية على الأكراد، ويسمح لداعش بالعودة من جديد، مع وجود خطر تلاعب أطراف متعددة مثل النظام السوري وداعش وتركيا؛ ما قد يرسم سيناريو تقدم تركيا أكثر في المنطقة الكردية لتأمين حدودها، أو إعادة انتشار سريع للقوات السورية على الحدود التركية، ولكنه في الوقت ذاته يزيل التهديد الأكبر المتمثّل في: الصراع الأمريكي الإيراني. وسوف يتسبّب الانسحاب الأمريكي السريع من سوريا في تداعيات خطيرة على الأكراد، الذين يُنظر إليهم على أنهم الفائز الأكبر في الصراع السوري؛ حيث سيتهدد الاتحاد الديمقراطي لشمال سوريا الذي أسّسه الأكراد بدعم أمريكي، وسيواجهون الخطاب التركي المتصاعد تجاههم، ولن يجدوا الحماية إلا من قبل نظام الأسد. ويبدو أن الاتحاد الديمقراطي شمال سوريا ليس أمامه فرصة في تجنُّب صراع جديد إلا من خلال العودة لحظيرة النظام السوري والحفاظ على الاتصال بالروس، وفق دراسة بعنوان: “ما مستقبل المناطق الكردية شمال سوريا؟” صدرت حديثاً عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ضمن دورية “مسارات”. وتشير التوترات المتزايدة بين الأكراد السوريين وتركيا، التي أسفرت عن قصف متبادل عبر الحدود خلال شهر نوفمبر الماضي، إلى طبيعة الصراع المعقّّد في شمال سوريا مع ظهور اتحاد فيدرالي يهيمن عليه الأكراد على امتداد الجزيرة (الحسكة والقامشلي)، والفرات (كوباني والتل الأبيض)، والذي شمل مؤخراً محافظة دير الزور والرقة. أما عفرين فهي من الناحية النظرية مشمولة في هذا الكيان ولكنها لا تزال تحت الاحتلال التركي. وفي هذا المشهد المركّب تعمل قوى محلية وإقليمية متعددة لديها أجندات متداخلة ذات طابع تنافسي، على تعقيد مجريات المرحلة الأخيرة من الحرب ضد داعش التي تقودها قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة وتعزّزها الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في المناطق الشمالية السورية. وركّزت الإدارة الأمريكية صراعها على الإرهاب بشكل أساس في وحدات حماية الشعب الكردية السورية، في أعقاب حصار كوباني أواخر 2014م، ورغم أن تركياوأمريكا تتهمان هذه الميليشيا إلا أنها أصبحت القوة البرية السورية للتحالف ضد تنظيم داعش، وتطورت بعد ذلك لتتحوّل إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر حاليّاً على ما يقارب 25% من سوريا. ولا يولي النظام السوري الملفَّ الكردي أهمية؛ لأنه محتلٌّ بطريقة أو بأخرى من سلطة مدعومة في منطقته، إضافة إلى وجود مخاوف أمنية، كما أن النظام لا يعتبر الأكراد عدوّاً خطيراً، ورغم أنه غير مرن فيما يتعلق بطموحات الانفصال الكردية إلا أن النظام يُظهر مرونة فيما يخص اللامركزية في الشمال الشرقي. وقد تمكّن الأكراد من اقتطاع دويلة في الشمال الشرقي، ويرفضون العودة لحكومة سورية المركزية؛ من خلال دعم التحالف المناهض لداعش بقيادة الولاياتالمتحدة، والذي ساعدهم على بناء منطقة حكم ذاتي، ولاسيما أنه أعطى الأكراد الأولوية لمحاربة داعش، وإنشاء قوة منظمة متعددة الأعراق، وبناء مؤسسات قوية ومعقّدة، وتقديم أنفسهم دوليّاً كمجتمع علماني معتدل. وتتناول الدراسة، نهوض الأكراد في مرحلة الثورة أولاً، وإتاحة الحرب على داعش الفرصة للأكراد لبناء مشروعهم الفيدرالي، وهياكل السلطة في الشمال الشرقي والقوى الديمقراطية السورية، وكيفية تعامل الأكراد السوريين مع الاتحاد الديمقراطي في شبكة معقّدة من العلاقات الخارجية. ومع اندلاع الصراع ضد داعش، دخل النزاع في شمال شرق سوريا مرحلةً جديدة يحكمها التنافس الإقليمي والدولي، على خلفية توتُّرات محلية، وتقلب موقف واشنطن بين البقاء والانسحاب من سوريا، والرفض التركي للكيان الكردي المستقلّ الناشئ، وإصرار أمريكا على احتواء السياسة الإيرانية التوسيعية في سوريا. وتعد تركيا المنظمة شقيقة لحزب العمال الكردستاني، وتسعى لتوسيع عملياتها ضد الجيوب الكردية شمال سوريا، وتعتمد على وكلائها العرب في المناطق الكردية؛ ما قد يؤدي إلى نشوب صراع عربي كردي في الشمال السوري.