الإعلام المعادي للتحالف العربي في اليمن يستند إلى الدعاية بنسختها القديمة. يعتمد على الكذب والتلفيق، ويردد الشعارات والآراء، ذاتها، التي جرى ترديدها خلال حرب تحرير الكويت عام 1990. في ذلك الوقت سعى بعض الإعلام العربي إلى تكريس الانقسام العربي الذي أحدثته تلك الحرب، ونقله من خلاف بين أنظمة سياسية إلى كراهية متبادلة بين شعوب. ومن يقرأ مضمون الإعلام المعادي ل «عاصفة الحزم» سيجد أن الأفكار والتوجهات هي من مخلفات تلك المرحلة، التي روجت للكراهية. اليوم نحن أمام مهمة شاقة لمواجهة خطاب الكراهية المتعاظم، وهذا يتطلب التمسك بالمعلومات وحرية الرأي، وعدم الانزلاق إلى لغة الكراهية. هذا التوازن ضروري لتطويق تأثير هذا الإعلام الذي يجافي المعايير الأخلاقية، ويروج الاشاعات، وينبش في الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية، ويحرض على العنف، فضلاً عن أنه يستخدم التعميم، ويلفق التاريخ والوقائع. هذه المهمة ليست سهلة. القائم بالدعاية يخاطب الغرائز، ويستخدم الصوت المرتفع والإثارة التي لا تكترث بالقواعد الأخلاقية والمهنية، ويبني موقفه على معلومات مركبة على نحو يتيح له صنع خطاب يبدو متماسكاً أمام المتلقي الذي لا يعرف الحقيقة. في المقابل فإن الإعلام المستند إلى المعلومات والموضوعية يبدو أقل جاذبية أمام جمهور تم تشويه ذائقته الإعلامية، وجرى زجّه في اصطفاف سياسي ومذهبي. لكن، على رغم من صعوبة مواجهة إعلام الكراهية، فإن فرصة هزيمة هذا الإعلام أصبحت ممكنة أكثر من أي وقت مضى، والسبب يكمن في الحرية التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرة الفرد على الوصول إلى المعلومات والحقائق على نحو لم يكن متاحاً في السابق، فضلاً عن أن المتلقي اليوم يختلف تماماً عن الجيل الذي صنع إعلام الدعاية السياسية، التي شكلت إعلامنا العربي على مدى عقود. هل المطلوب أن يتولى إعلام المعلومات مواجهة أكاذيب إعلام الكراهية بأسلوب المناظرة، ومطاردة ونفي كل كلمة وصورة تنشر؟ تصعب الإجابة هنا بلا أو نعم. القضية هي كيف. خذ مثلاً الردّ على خطابات الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله، أو الأخبار والآراء التي يطرحها إعلام الحزب. دخول الإعلام المضاد في مناظرة مباشرة مع خطابات حسن نصر الله وإعلامه، سيفرض عليه الأسلوب ذاته، ويورطه في فخ الخطاب المذهبي، وترويج الكراهية. لكن تناول هذه المضامين على طريقة نديم قطيش في برنامج «DNA» الذي يبث على قناة «المستقبل»، أو بأسلوب برنامج «مرايا» الذي يقدمه مشاري الذايدي على قناة «العربية»، يحقق الهدف وينجو من الفخ. سر نجاح البرنامجين هو، الاعتماد على المعلومات واستخدام السخرية والهدوء. لا شك في أن السخرية تصيب ولا تدمي، والهدوء ينزع فتيل الكراهية. ولهذا نجح كل من قطيش والذايدي في إضعاف تأثير إعلام الكراهية، من دون الانجرار إلى خطاب «حزب الله» المنفعل. الأكيد أن مواجهة إعلام التحريض والكراهية بحاجة إلى لغة وأدوات مناقضة تماماً للأساليب وللّغة التي يعتمد عليها هذا الإعلام. الهدوء ليس ضعفاً، والانفعال علامة الهزيمة. داوود الشريان نقلاً عن "الحياة"