مفتتح .. لبعض المصطلحات اللغوية إيحاءات ودلالات مختلفة إذا ما تأملتها على ضوء الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي. خذ، على سبيل المثال، (نائب الفاعل) ووظيفته الملتبسة التي تُلبِس الشخصَ تهمةً لم يرتكبها، فيصبح المأكول آكلا، والمنهوب ناهبا، والقتيل قاتلا. «أُكِلَ الحَمَلُ» و»نُهِبَ المحلُّ». أما نشرات الأخبار، في أيامنا هذه، فتبدأ بالفعل المبني للمجهول (قُتِلَ).. يقولها مذيع نشرة الأخبار دون أن يرفَّ له جفن، بعد أن أصبح هذا الفعل روتينا يوميا. وإذا ما طبقنا القاعدة اللغوية، كما هي في كتب اللغة، فإن (القتيل) البريء يعتبر (نائب فاعل). ومن غير المنطقي أن يكون الضحية نائبا للجلاد. هنالك بلا شك (نائب فاعل) حقيقي قد ارتكب جريمة القتل. وهو أداة طيّعة بيد فاعل آخر من قوى التخلف والظلام مهمته تحريك الأحجار على رقعة الشطرنج. ترى كم يوجد في حياتنا الاجتماعية والثقافية من أسماء تشغل حيّزا كبيرا، مع أنها من لزوم ما لا يلزم. فهي جمل معترضة خارج السياق وخارج الزمن، وتشكل مصدر إعاقة لأي حراك اجتماعي وثقافي صاعد. واو المعيّة .. قد يترك هذا المصطلح انطباعا سلبيا. لذلك يبدو مصطلح (واو المصاحبة) أجمل. ولأَنْ يكون المرء «مع أو ضدّ» شيء ما بملء إرادته خير من أن يكون كذلك وهو مسلوب الإرادة، لا يسأل ولا يناقش ولا يجادل ولا يفكر. أي أنه «مع القوم يا شقرا» حسب العبارة الشعبية الشائعة. في هذه الحال يفقد المرء استقلاله الذاتي، ويفوّض الآخرين أشخاصًا ومؤسساتٍ مسؤوليةَ التفكير نيابة عنه. وفي ذلك تعطيل للإرادة، ومصادرة لحرية الاختيار. حيث يتحول المرء إلى بيدق يحركه اللاعبون بالعقول والعواطف لتحقيق غاياتهم، إلى أن يصبح في نهاية المطاف (نائب فاعل) يأتمر بأمر الفاعل الحقيقي الذي أشرت إليه في مفتتح هذه السطور. أم الوَاوَات .. يوجد في اللغة، إضافة إلى (واو) المعية، (واو العطف) و(واو الوصل) و(واو الاستئناف) و(واو القسم).. لكن يوجد على أرض الواقع (واو) أخرى تتضاءل في حضرتها كل (الواوات) هي (واو الواسطة) السحرية. وإذا ما عددنا الأمهات ك(أم المعارك) و(أم أربعة وأربعين) و(أم الخَضَر والليف) فهي (أم الواوات). واسمها الشعبي المتداول (فيتامين واو) وهي التي تقرّب البعيد، وتيسر العسير، وتفكّ ما استعصى من العُقَد، وتغنيك عن الوقوف في الطابور، وعن سماع عبارة «راجعنا بكرة». ومن نافذتها يصبح التحايل على القوانين والالتفاف حول الأنظمة وسيلة للحصول على وضع استثنائي بطرق ملتوية. أما أبشع أنواعها، فهو ما يؤدي إلى هضم حق شخص، وإعطاء ذلك الحق إلى من لا يستحقه، وإلغاء مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ وضْعِ الشخص المناسب في المكان المناسب. جملة معترضة .. هل شعرتَ يوما بأنك أمام شخص أشبه بجملة معترضة؟ جملة كتلك التي تقع بين شَرْطَتين أو قوسين؟ لا أقلل من شأن الجمل المعترضة، فبعضها لا غنى عنه لمزيد من الإيضاح والبيان والتعليل والاحتراس والاستدراك، ولكني أتحدث عن الجمل المعترضة التي تقع خارج السياق، والتي تعيق تدفق المعنى، ولا تضيف شيئا ذا قيمة، ويمكن إضافتها إلى قائمة فلاديمير نابوكوف في كلامه عن «الأهمية الزائفة والجمال الزائف والذكاء الزائف والإغراء الزائف». ترى كم يوجد في حياتنا الاجتماعية والثقافية من أسماء تشغل حيّزا كبيرا، مع أنها من لزوم ما لا يلزم. فهي جمل معترضة خارج السياق وخارج الزمن، وتشكل مصدر إعاقة لأي حراك اجتماعي وثقافي صاعد..