تنطلق هذا اليوم مسيرة الانتخابات البلدية في بلادنا الحبيبة، لتكشف مدى الوعي الحضاري الذي يتمتع به الشعب السعودي، وقدرته على التوسع في هضم المستجدات على مجتمعه، ليست هي التجربة الأولى بالطبع، لكن من الطبيعي أن تكون التجربة الأنضج والأوسع، أو هكذا ينبغي أن تكون. إن المشاركة الشعبية في صناعة القرار : أي قرار عام، بأية وسيلة مشروعة، أو عن طريق أية فرصة متاحة، تعد خطوة مهمة في طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي، بل ويعد مرانا لمشاركات شعبية أكثر، قد تتاح في مجالس أعمق في صناعة الحياة العامة. والخدمات البلدية تتمتع بأبعاد شمولية، تصل إلى كل فرد في المجتمع، وأكثرُ احتياجات الناس إليها. كما أن أكثر شكاوى الناس منها، وقليل من الناس الشكور. إذن هي فرصة لإشعال شمعة، ووضع لبنة، وإرساء قاعدة، وغرس شجرة، بدلا من قيل وقال، وكثرة السؤال. الإنسان الإيجابي المبادر لا يتردد في أن يكون في مقدمة المسيرة الإصلاحية مهما كان نوعها، فضلا عن أن تكون بهذه القيمة، والمبادرة تعني أن يسجل هو أول الناس، بل يدفع الآخرين ليسجلوا، أو يحدثوا بياناتهم؛ ليستعدوا لتلبية نداء الوطن يوم التصويت، ليكون أيضا أول الناس في الانتخاب، حتى ولو اضطره ذلك لترك سفر ضروري خاص، أو مصلحة كبرى، لكنها تبقى شخصية. فالمواطنة ليست حديث سمار، ولا حديث ليل يذهب به النهار، لكنها تضحيات متوالية، لا تعرف التواني ولا الارتخاء. من حقنا أن نتساءل: ماذا يمكن للمجلس البلدي أن يفعل؟ وما صلاحياته؟ وما مدى تفاعل البلدية أو الأمانة مع أعضائه، ومن حقنا كذلك أن نسائل المجالس السابقة عن إنجازاتها، ومدى فاعلية وجودها، وعن الفرق بين الخدمات قبل المجلس، والخدمات بعده. كما أن من حق الأعضاء أن يدافعوا عن فترتهم التي قضوها، وأن يبرزوا جهودهم التي قدموها، ويتركوا للناس تقويمها، لا لينتخبوهم من جديد، لكن ليكون في ذلك نفع للمنتخبين الجدد، أو حتى الذين سيرشحون أنفسهم لها قبل أن يعلموا النتائج. والصوت أمانة، يجب أن توضع في مكانها، وتؤدى كما يرضى الله عز وجل بلا شللية، أو نرجسية، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الأنفال 8/27]. كما ينبغي تغليب المصلحة المستقبلية على المصلحة الحاضرة. فالأعمال البلدية تحتاج إلى مختصين لهم دراية واهتمام وخبرة بها، وليست قضية وجاهات، واعتبارات اجتماعية أو غيرها، فالأكفأ هو الذي يجب أن تكون له الأولية، وليس الأرفع هزيجا، والأكثر نفيرا، والأوسع خيمة، والأغزر رزا ولحما وثريدا!! إنها مسؤولية كبرى. إنه صنع القرار الذي يمس حاجات الناس، وحياتهم، فيجب ألا يقلد إلا القوي الأمين. ففي الحديث الصحيح «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، ومن يرشح نفسه وهو غير مؤهل، فقد شارك في انحدار مستوى المنافع التي تنتظرها الأمة من هذا المجلس، ومن يرشح شخصا يعلم أنه لا يمتلك المهارات والمعارف والخبرة اللازمة، فإنه يسهم في تخلف النتائج التي تنعقد عليها الآمال من مثل هذا المجلس. سهل أن أنتقد، لكن من الصعب أن أسهم في البناء، فذلك تسلية، والآخر تضحية، وقد تسمع همسا هنا ولمزا هناك من الانتهازيين، والكسولين على حد سواء، ليصدوا عن المشاركة بحجة «عدم الجدوى منها، أو أنها مجرد واجهة مفرغة، أو أنها بلا صلاحيات، أو أنها.. أو أنها..» هذا الصنف من الناس لا يجيد غير الصياح، ولا تسمع منه غير جعجعة.. ولا ترى طحنا..! الإيجابية تقضي بالمشاركة، مهما كانت محدودة، فإن نقرة إصلاح من الداخل، خير من صرخة زقيع في الخارج.