في هذه الفترة من الزمن، تفتنُّ السياسةُ وهي تُعيد إنتاج (الملل والنحل) من جديد وتشدّ كلَّ فئة من الناس إلى عَصَبِهَا، مما حدا بكلِّ طائفة لأن تتمترس خلف متاريس من أحاديث وروايات وأقوال مأثورة وخرافات.. ثمَّ تطلق النار على الطائفة الأخرى دون وعي. الواعون في كلِّ الطوائف هم فقط من يعلمون أنَّ اليدَ التي تُطلق هي يدٌ دخيلةٌ لكنَّها لا تُرى بالعين المجرَّدة، بينما عينُ العقل التي تَرى كلَّ شيء قد فقأتها أصابعُ السياسية فأصبحت عمياء. نحن لم نعدْ أبناءَ الحياة الذين يستحقُّون أمومتها.. نحن أبناؤها الأعداء لها.. نحنُ البشر لن تستطيع حتَّى أوراقُ (سدرة المنتهى) أن تستر عوراتنا. ولا أظنُّ أنَّ الله سيغفر لنا ونحن نتقاتل على عرشٍ من عظامِ أبنائه. لا شكَّ في أن الحروب العقدية تمثِّل ضرباً من ضروب هذه الحروب التي نتحدَّث عنها لأنَّها تعتمد في نشوبها على قضايا مرتبطة بتأويل مطلق الغياب المسمَّى مجازاً غيباً. والعقائد أشبه شيئاً بالنار، ومن يدنُ من النار فلا يأمن على نفسه من الاحتراق. كما أنّ ملامسة العقائد تعني ملامسة وجدانِ الناس, فإذا كانت هذه الملامسة رقيقة وحانية قابلها الناس بالرقة والحنان نهر الثرثرة في هذا المجال يطول ولا أعلم كيف أوجِّه مجراه في منعرجات وديان الكلام الأليم؟!، إلا أنني سوف أمتشق سكين الصراحة امتشاقاً أبيضَ فهي ليست للقتل، وإنما لتقشير وتقطيع بصلة الهمِّ الواحد كي نأكلها معاً، فربما كان في المشاركة تخفيفٌ للألم، أو على الأقل شيء من الترويح عن النفس دائما ما يأتي عبر المنادمة والمؤانسة، وإن كانت الأكلةُ هي البصل برائحته التي لا تُطاق. يقول أحد المفكرين الغربيِّين: (الحربُ بين الأمواتِ أكثرُ شراسةً من الحربِ بين الأحياء). هذه المقولة الصادمة تحيلنا إلى عدَّة دلالات ، ومن ضمنها أنّ الحربَ بين الأموات حربٌ بالنيابة سوف يديرها الأحياء اعتماداً على ما يعتقدونه هم في أولئك الأموات، وليس اعتماداً على ما يعتقده أولئك الأمواتُ في أنفسهم. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ الأموات ذهبوا إلى بارئهم ، ولن يعودوا إلى الحياة كي يتصالحوا وتنتهي الحرب، لذلك سوف تبقى هذه الحرب دائرةً بيننا حتَّى نعقل نحن المتحاربين بالنيابة. والأخطر من ذلك كلِّه، هو ما يكتشفه المحاربُ بين حينٍ وآخر من أنَّ الأمواتَ بريئون كلَّ البراءة من الحروب التي تدارُ بأسمائهم. هي حربٌ بالنيابة إذن، ولكن ليست أيَّةَ نيابة لأنها تتعامل مع الموت.. أي تتعامل مع الغياب المطلق. ولا شكَّ في أن الحروب العقدية تمثِّل ضرباً من ضروب هذه الحروب التي نتحدَّث عنها لأنَّها تعتمد في نشوبها على قضايا مرتبطة بتأويل مطلق الغياب المسمَّى مجازاً غيباً. والعقائد أشبه شيئاً بالنار، ومن يدنُ من النار فلا يأمن على نفسه من الاحتراق. كما أنّ ملامسة العقائد تعني ملامسة وجدانِ الناس, فإذا كانت هذه الملامسة رقيقة وحانية قابلها الناس بالرقة والحنان، وإذا كانت هذه الملامسة قاسية وعاتية قابلها الناس بالقسوة والعتوّ.