في3/9/2012،أي قبل عام من الآن،كتبت مقالاً في هذه الجريدة بعنوان (الإرهاب..عودة للمربع الدائم)قلت فيه: لم أكن في يوم من الأيام من هؤلاء المتابعين أو المهتمين بشؤون الإرهاب ممن كانوا يرون أو لا يزالون يرون أن الإرهاب العنفي سائر إلى زوال لا في الحاضر ولا في المستقبل المنظور. صحيح أن الإرهاب قد تراجع بشكل ملحوظ على مستوى الحراك والعمليات(..)إلا أن معالم الإرهاب الكامنة في الظروف والأفكار بقيت واعدة في العودة وإن بأشكال ومضامين لا تختلف عن السابق) وقد استشهدت في التوقع على ما قاله الأستاذ عبد المنعم المشوح مدير حملة السكينة لجريدة عكاظ وقتها عند اكتشاف بعض الخلايا الإرهابية الجديدة في ذلك التاريخ، يقول(تم رصد تحركات عناصر الفئة الضالة داخل المملكة وتركيز هذه العناصرعلى العودة للمربع الأول للقاعدة وهو الدعوة لإعادة فكر الجهاد داخل البلدان الإسلامية وتحديداً في السعودية). عندما ترتفع أصوات الإصلاح - وسواءً جاءت هذه الأصوات على لسان حكومات أو مؤسسات او حتى مصلحين أفراد- يتصدى المتشددون لمقاومتها على كل المستويات مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة عند تفاقم الخصومة المجتمعية لم يمض سوى أيام على إلقاء القبض على عنصري القاعدة من جنسيتين أجنبيتين كانا يستعدان لتنفيذ عمليات إجرامية ضد الوطن والمواطنين المسالمين،حتى قفز إلى منبر أحد الجوامع المشهورة في يوم الجمعة الماضي، وهو ليس جديداً على المسجد ورواده وألقى خطابا متطرفا من حيث الشكل والمضمون. تلا ذلك تلك الأحداث المؤلمة التي تمر بها مصر حيث لا تخطئ العين مساهمة فقهاء الإرهاب وجنودهم في تأجيج مشاعر الانقسام وعمليات الاقتتال دون أن يعني ذلك عدم مسؤولية القوى الأمنية عن الدماء التي سالت وكذلك الأطراف والقوى الداخلية والاقليمية .وإذا أضفنا إلى كل ذلك ما تحمله لنا عشرات الفضائيات على مدى أيام الأسبوع من اضطرابات واقتتال في العراق وليبيا وتونس وسوريا ولبنان وما يرافق ذلك من إراقة للدماء. يكتمل المشهد عادة بتبريرات حفظتها شعوب المنطقة عن ظهر قلب تقوم في الغالب على صياغات مباشرة لنداءات اسامة بن لادن وأيمن الظواهري لتكريس فكرة الفسطاطين في كل بلد، فسطاط الحق وفسطاط الباطل بين ابناء البلد الواحد. الإرهاب ليس أفرادا معزولين بل منظومة فكرية تقوم على ايديولوجية متشددة تحرف الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على يد فقهاء ليسوا غريبين على تاريخ الحضارة العربية الإسلامية من أيام الخوارج إلى يومنا هذا. الإرهاب في جانبه الفكري هو الحلقة الأخيرة لمسلسل طرق مغالية ومتشددة في فهم الآيات والأحاديث وفق دائرة مغلقة، دائرة التشدد.في هذه الدائرة، عندما ترتفع أصوات الإصلاح - وسواءً جاءت هذه الأصوات على لسان حكومات أو مؤسسات او حتى مصلحين أفراد- يتصدى المتشددون لمقاومتها على كل المستويات مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة عند تفاقم الخصومة المجتمعية.وفي سياق كهذا، تتوالد العراقيل أمام المواجهة الشاملة وتتكشف أكثر فأكثر صعوبات مشاريع الإصلاح على كل المستويات. وفي ظروف كهذه يفكر البعض في كل مرة تبدو التهديدات جدية بإعادة استخدام اسلوب( الاحتواء). هذا الأسلوب الذي ربما حقق بعض النتائج في الماضي، تزداد اليوم كلفته على مستوى التنازلات من طرف واحد.وإذا كان الوضع الحالي قريبا من هذا التشاؤم، فلن يكون غريبا سماع أخبار متتالية تأتي من أغلب المناطق تفيد بتزايد أعداد الشباب الذين يشدون الرحال لمناطق الاضطراب والقتل مؤيدين بفتاوى التشدد والغلو التي كان آخرها على منبر جامع شهير وعلى مستوى آخر من التعبئة المموهة،يمكن ملاحظة تزايد الدعوات المنشورة لدعم أطراف صراع لا تخفي انتماءها لحواضن الإرهاب المعروفة على المستوى الإقليمي أو العالمي .