▪▪ دارت معارك التردد.. والعواطف والقرارات.. وكان الشباب أكثر قدرة على اختراق المجهول.. بحثا عن حياة أفضل.. حتمية الظروف تفرض نفسها.. كبّلت (جدّتي) رحمها الله.. استسلمت أم الأيتام.. وبكل قسوة العواطف.. تعلن قبولها سفر ابنها (حامد).. كان أخوه الأكبر (فرحان).. يحث ويشجع.. سافر يا (حامد).. أخوك سيعتني ويحمي.. كانوا يغرسون للشيمة جذرا في النّفس.. وللتعاون مجالا.. ليس للشك فيه جذور.. تنمية بناء التعاون.. والتعاضد.. والمرجلة.. يرددون.. قوما تعاونوا ما خابوا.. ولا ذلّوا. ▪▪ كان البيت في القرية يملك استقلالية القرار.. لا يختلف عن بيت النّمل وخلية النّحل.. الكبير حكيمهم.. ينسجون قراراتهم على ايقاع مشورته.. لكل فرد مهمة ومجال خاص.. كل بيت أشبه بجمعية تعاونية.. شعارها البقاء أولا.. لكل فرد تخصص.. يُبدع في أعماقه.. الاتقان مطلب وضرورة.. الجودة القصوى سلاح البقاء.. منهج حضاري متقدم.. يمارسونه بالفطرة.. وليس بالشهادات الورقية.. اعتراف واقعهم أكبر شهادة. ▪▪ في المسيرة.. لا مكان للخطأ.. والحظ.. والصدفة.. كل شيء بحسبان.. كنتيجة.. يدفع (فرحان) بأخيه الأصغر (حامد) إلى عالم السّفر.. آمالهم غلبت خوفهم وترددهم.. حياة القرية قاسية.. انتاجهم من الزراعة لا يفي بحاجتهم الضرورية.. جبروت قسوة البيئة ورتابة حياتها لا يرحم.. بالسّفر يرجون تحقيق بعض الكرامة والعزّة.. بالسّفر يأملون في تحقيق نجاح فك قيودهم من الفقر والمعاناة ونتائج اليُتم الذي تجرعوه.. السّفر بوابة مستقبلهم الذي ينشدون.. هذا كان شعار جميع آبائنا.. أسسوا لحياتنا.. ثم وصلنا.. هل حجبنا الشمس؟! ▪▪ من أجل تحقيق التطلعات والآمال.. تحمّل عمّي (فرحان) ثقل مسئولية رعي أغنام العائلة ومسئوليات ممارسة الزراعة الزهيدة.. البقاء بجانب أمه المرعوبة خوفا على فقد ابنها في السّفر كان واجبا لا حياد عنه.. وقد فقدت جميع اخوانها الخمسة.. وأيضا والدها.. لكنها الأم.. في نهاية المطاف.. جهزت لهذا السفر كبقية رجال القرية.. كانت تُجهّز لزمان غير زمانها. في تلك الظروف المليئة بأشكال التحدي والفاقة والعناء وشظف العيش.. ليس أمام المراهقة سبيل في حياة الشباب.. الكل يولد رجلا كامل النضج.. ويجب أن يكون كذلك.. حتى الطفولة يتم وأدها.. كل ذلك جزء من مراحل الإعداد.. والتهيئة.. والتجهيز لمراحل الحياة القادمة الأصعب.. وفق ما ترسمه مسارات حياتهم التي يجهلون.. يولد الاطفال رجالا مسئولين ▪▪ لا مجال للعواطف.. البقاء قويا عين العقل وضميره ورؤيته.. بناء الإنسان هدف الجميع.. والكل يعرف قيمة بناء الإنسان ومردود ذلك النجاح.. العمل لتحقيقه يصنع الفرق.. كان فرق الأعمار بين والدي (حامد) وأخيه (فرحان) لا يزيد عن (6) سنوات.. ويظل الأخ الأصغر محل العطف والرعاية من الأخ الأكبر.. ميزة نسبية تعطي الأكبر حق جميع مناصب الأب في غيابه.. كجزء من متطلبات صراعهم مع ظروف الحياة. ▪▪ للعطف روافد تغذيهم.. كانت خالتهم الوحيدة (فاطمة) أمّا ثانية.. ليس لها ذريّة.. تبنّت مع زوجها شيخ القرية (عبد العزيز) (رحمهما الله) هذين اليتيمين بالرعاية والاهتمام.. كشيمة.. ومرجلة.. ومسئولية.. تبنّى الشيخ عمّي (فرحان) كابن وسند.. وقف بجانبه بكل ما يستطيع.. حماية.. وتوجيه.. وإدارة.. زرع في نفسه سدا منيعا قويا.. وجهزه بكل أدوات الوقوف في وجه ونوايا الطامعين في أملاكهم الزراعية التي ورثوها أبا عن جد.. حماهم حتى من جور أهلهم المقربين.. لو خليت خربت. ▪▪ في تلك الظروف المليئة بأشكال التحدي والفاقة والعناء وشظف العيش.. ليس أمام المراهقة سبيل في حياة الشباب.. الكل يولد رجلا كامل النضج.. ويجب أن يكون كذلك.. حتى الطفولة يتم وأدها.. كل ذلك جزء من مراحل الإعداد.. والتهيئة.. والتجهيز لمراحل الحياة القادمة الأصعب.. وفق ما ترسمه مسارات حياتهم التي يجهلون.. يولد الاطفال رجالا مسئولين.. حياة عسكرية بكل ما تعنيه الكلمة.. انضباط وسمع وطاعة ودقة.. وللملاحظة مكان يقيهم من الزلّات. ▪▪ تتحول المراهقة إلى عوامل لها أبعاد ايجابية.. تأخذهم للبحث عن مرجلة.. عن منفعة.. يصبحون مثل بذور النّبات الصحراوي.. مع زخة مطر واحدة تتحرك الحياة في جنين البذرة.. تستكمل دورة حياتها كاملة في سبعة أيام.. تنمو وتزهر وتتكون البذور وتسقط على الأرض وتموت النبتة خلال أيام معدودة.. تقزيم العمر من أجل البقاء.. هكذا كانوا في القرية حيث تتحكم الظروف في طول وقصر أعمارهم.. كنتيجة عليهم استغلال الوقت بشكل دقيق.. الأهم أن يحافظ على بقاء نسله. ▪▪ مع تلك الظروف البيئية وبقية الظروف القاسية.. يصبح البحث عن عوامل استمرار حياتهم شرفا وكرامة ومجدا.. البحث عن السمعة طيبة أقصى أماني الرجال والنساء في القرية.. كل شاب يود أن يكون ذلك النّشمي في مسيرة القرية.. وذلك الفارس الشهم.. وذلك الكيان الشامخ.. يريد أن يكون وعاء النخوة والتطلع نحو حياة أفضل.. معاييرهم عالية الجودة في ذلك الزمن.. الطافح بكل معاني الزهد والفاقة والحاجة.. لكنها معانٍ من النضج.. وكنز من حكمة التعامل مع ظروف الحياة والبيئة.. ويستمر السفر بعنوان آخر. twitter@DrAlghamdiMH