ثمة مقولة تصدقها الافعال اكثر من الاقوال و هي التأكيد على اهمية المعنى بمعزل عن اخلاق صناعة الانسان. ان تكون منتصرا في الحياة وجامحا في طموحك بمعزل عن المعنى فتلك القطيعة التي من ورائها يقف كل هذا النصر المزيف المصنوع على اعتاب القيم و الاخلاق. رمضان عندما يقبل اولى نفحاته المنبعثة هي المعنى المفعم بعطر النبوة الخاتمة التي تذكرنا بعمق ما تحمله هذه الايام من دروس في ان تكون صانعا للانتصار في اطار الاخلاق و القيم، فمن اليسير ان تحقق نصرا بهدمها و التسلق عليها. لعل الوجه الابرز في هذا الشهر الكريم هو اطلالة بدر فاتحة الانتصارات التي ركزت اوتاد الدعوة و صنعت اول اسس اخلاق الانتصار. ان الصراع الذي قلبت موازينه بدر كان يدور مع القوة الطاغية التي ترى في العدد و الكم و التجرد من القيم كالقتل حتى المرأة و الاطفال و إزالة اثار الحياة و التمثيل و السبي قابلها اخلاق هذا النظام الجديد الذي لم يكن حتى بدر الا قوة و هكذا رمضان ليس امساكا وافطارا بقدر ما هو كم تنسلخ من الغطرسة والاستكبار لتمنح روح التعالي والسمو وذلك في واقع الحياة و عبر حلبة التسابق للتفوق و النصر. اذا بقى رمضان معزولا عن صناعة اخلاق النصر فلم يبق منه سوى زهرة بلا عطر او بذرة بلا ثمرة. خافتة. (وهكذا كانت موقعة بدر نقطة تحول في تاريخ الصراع بين المسلمين والمشركين، بحيث لم تعد قريش القوة المهيمنة على الحجاز وبعض مناطق شبه الجزيرة، هذا إذا لم نقل إنها رسمت معالم المرحلة المقبلة لمصير قريش والمشركين). بدر جاءت بقوة الاسلام الجديدة في ما تحمل من اخلاق جديدة ، انها تصنع الانتصار و تحقق المعنى و ترفع مراتب النفس لكن ليس بالطغيان و التسلق على الاخلاق ادواتها. ما هذا النظام الجديد -بالعدد البسيط و القوة المتواضعة- يسحق هذا الطاغوت القرشي المتسلط ثم يقف على اشلاء اعدائه و اسراه بكل تواضع و رحمة و في قمة النصر المكلل تتجلى اخلاق النبوة بقمة الخشوع لانه نصر من الله و هو في حضرة الناصر الذي مده بالايمان. النبي الخاتم في بدر منتصرا يعبر في شهر رمضان كيف تصنع القيم و المعنى للحياة الجديدة و كيف يحتفل المنتصر بالمهزوم. بكل رحمة و تواضع يدعو الرفق بالاسرى و احترام القتلى و حرمة التمثيل بهم، و هو في وصاياه و اذا به يرى النبي ابن مسعود و قد هم بسحب رأس ابي جهل الذي اشبعه ظلما لينهاه عن التمثيل فالمثلة حرام و لو بالكلب العقور لان المعادلة بكل بساطة لو عملت باخلاقه انهزمت اخلاقك. و عبر تعليم القراءة يضمن حرية الاسرى لا باسترقاقهم، هكذا و بكل قوة و اقتدار تفتح بدر اخلاق الفاتحين الجدد لتستمر قريش المتغطرسة المهزومة باخلاق المستكبرين من الظلم و الطغيان و التمثيل باجساد القتلى. بدر ليست انتصار قوة بل انتصار اخلاق كما لم تكن المعركة تدار بالسيوف بقدر ما دارها المصطفى الخاتم باخلاق النصر الجديدة. و هكذا فرمضان و بدر كل يعطي للاخر و يأخذ منه و هكذا رمضان ليس امساكا و افطارا بقدر ما هو كم تنسلخ من الغطرسة و الاستكبار لتمنح روح التعالي و السمو وذلك في واقع الحياة و عبر حلبة التسابق للتفوق و النصر. اذا بقى رمضان معزولا عن صناعة اخلاق النصر فلم يبق منه سوى زهرة بلا عطر او بذرة بلا ثمرة. ان عالمنا تفوح منه رائحة المتغطرسين لتعم جميع ارجائه ، فماذا اذا يصنع رمضان المفعم بروح بدر اذا لم يصنع اخلاق النصر، هل نرضى صائمين دون صناعة و نبقى في ظننا اننا هنا في رمضان و في الواقع اننا هناك فلا ننتج شيئا سوى الجوع و العطش. عندما يحضر رمضان لابد ان تحضر بدر لا في لباسها العسكري بل في اخلاقها في ان تكون منتصرا و مربيا على خطى الخاتم المربي المعلم. [email protected]