لا أدري إن كان للحزن في مجتمعنا وجها آخر ، وهل ابتكرنا له أسلوبا واخترعنا له طبيعة تخالف الحزن في كل مكان في الدنيا، ولا أدري إن كانت قلوبنا تحجرت إلى هذه الدرجة التي لم يعد يؤثر فيها الحزن أو مصيبة الموت ! في موقف لا أنساه وفي الوقت الذي كان ينقل فيها جسد المتوفى المسجى من الأرض إلى مثواه الأخير في قبره الضيق، وفي المقبرة حيث القبور التي يجاور بعضها البعض يقف الناس ليواروا الجثمان الثرى بعد أن يضعه أقرب المقربين إليه في ذلك اللحد ثم يبنون عليه بالصخور الصلدة، في هذه اللحظات المهيبة التي من المفترض أن يعلو الوجوه فيها الأسى ويسيطر على القلوب الخشوع في هذا الموقف الذي يتذكر فيه الإنسان أنه في يوم ما وقد يكون قريبا سيكون في أحد القبور طال الزمان أم قصر ، ولكم أن تتخيلوا في ظل هذا الموقف الذي من المفروض أن يتسم بالسكينة والوجوم، وإذ باثنين من الواقفين بجواري يتحدثان عن الشائعة التي انتشرت قبل فترة باستقدام خادمات منزليات من روسيا وليتوانيا وأوكرانيا، ثم تتوالى الضحكات منهما بصوت عال أثار انتباه الواقفين واستغرابهم ودهشتهم، فلا الموضوع هذا مكانه، إذ إنه من العيب تناوله في مجلس محترم فكيف بالمقبرة، ولا الابتسامات، فضلا عن أن القهقهات العالية غير مقبولة في هذا الموقف بأي حال من الأحوال، وإن لم يحترم هؤلاء أهل المتوفى، وبلغ بهم ضعف الدين وقلة الأدب والذوق هذا المبلغ، فالأفضل ألا يشاركوا أو يحضروا وإن كان الحضور أحياناً نوعا من المجاملات الاجتماعية أكثر من تحصيل الأجر والثواب وأخذ العظة والعبرة. أهل العزاء قد يأتيهم من المعزين من أقاربهم من مناطق وربما دول أخرى ولا شك أنه من الواجبات الدينية والأعراف الاجتماعية إكرام الضيوف وهذا قد يكون خاصاً لهؤلاء القادمين من أماكن بعيدة، لكن وجود أولئك الفضوليين يومياً بحجة مواساة أهل الميت وهم في حقيقة الأمر يجتمعون للسوالف والضحك وانتظار العشاء، هذا موقف. أما الموقف الآخر فكنت واقفاً أيضا في انتظار دفن أحد المتوفين وأسمع بقربي من يتحدث إلى صاحبه عن أسعار الأراضي في حي معين، وكم بلغت قيمة المتر فيه مع تفصيلات للبيع والشراء، فالتفت حولي وسألت نفسي: هل أنا في مقبرة ؟ أم في مكتب عقاري؟ أم في مزاد علني لأحد المخططات السكنية ؟ ولا شك في أن الحديث عن هذا الأمر يطول، فكثير منكم سمع ورأى مثلما رأيت وربما أكثر الأمر الذي يدعو للتساؤل والدهشة من هذه المرحلة التي وصلت فيها القسوة في قلوب الناس إلى هذا الحد المزعج، وبعد انتهاء دفن الميت وتوجه الناس إلى بيت العزاء تبدأ المرحلة الثانية من تعاملنا الجديد مع الحزن ومصيبة الموت أنه - وفي الوقت الذي يعتصر فيه الحزن قلوب أهل المتوفى وتبكي عيونهم - يتحول بيت العزاء إلى ما يشبه المناسبة الاجتماعية الاحتفالية، هكذا وبكل صدق ما يحصل ، وللأسف يكون العزاء مكانا يجتمع فيه القريب والبعيد، وقد يكون موعدا للقاء بين اثنين أو أكثر وفيه يجلسون الساعات الطويلة التي تختم بالولائم التي يتنافس الناس فيها إلى أن صارت في بعض بيوت العزاء بوفيهات مفتوحة. الغريب ان ذلك العدد من المعزين الذين يظهرون مواساتهم لأهل الميت ما أن يغسلوا أيديهم من الوليمة حتى ينصرفوا لإكمال السهرة في مكان آخر وبسرعة البرق يتحول ذلك المكان المكتظ بالمعزين إلى مكان خال إلا من أعداد لا تتجاوز أصابع اليدين. أهل العزاء قد يأتيهم من المعزين من أقاربهم من مناطق وربما دول أخرى ولا شك أنه من الواجبات الدينية والأعراف الاجتماعية إكرام الضيوف وهذا قد يكون خاصاً لهؤلاء القادمين من أماكن بعيدة، لكن وجود أولئك الفضوليين يومياً بحجة مواساة أهل الميت وهم في حقيقة الأمر يجتمعون للسوالف والضحك وانتظار العشاء، فذلك أمر مؤسف، وحين يتحول الحزن ومصيبة الموت إلى حديث عن الخادمات الأوكرانيات وسعر المتر في المخطط السكني وموعد للسمر وتناول الطعام، فلا شك في أننا نعيش أزمة نفسية حادة. twitter: @waleed968