لفتت الناقدة الدكتورة مريم أبو بشيت إلى أن الشاعر الراحل طاهر زمخشري كان أحد الرموز الوطنية التي لم تحظ بالعناية المناسبة لمكانة ما قدمه من إبداع شعري غزير، وريادة في مرحلة تأسيسية هامة، مشيرة إلى تكريمه في تونس في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. جاء ذلك في أمسية أقامها نادي المنطقة الشرقية الأدبي مساء الأحد المنصرم وقدمت فيها أبو بشيت ورقة نقدية بعنوان « الإلهام والأصالة في تجربة طاهر زمخشري الشعرية»، وأدارها عضو مجلس إدارة النادي الشاعر سعيد سفر. وقالت أبو بشيت: إنها تواصلت مع الشاعر الراحل الزمخشري وحلّت في ضيافته في منزله في جدة أثناء إعدادها لبحثها عن الشاعر فعاينت عن قرب معاناته وآلامه من مرض الشيخوخة والغسيل الكلوي الذي كان يجريه عدة مرات في الأسبوع، إلا أنه كان يتميّز بروح متفائلة ومرحة بالرغم من هذه الآلام، وقسّمت المحاضرة ورقتها إلى عدة محاور رئيسة تحدّثت في الأول عن ملامح من حياته وإنتاجه الأدبي، وفي الثاني عن مضامينه الشعرية، وفي الثالث عن موسيقاه الشعرية، وفي الخامس والأخير عن بنية القصيدة لديه. بعدها تطرقت أبو بشيت لنشأة زمخشري المولود عام 1914 في مكةالمكرمة في أسرة فقيرة ومتواضعة علمته التواضع والصبر، مرورا بنشأته التعليمية في مدارس الفلاح في العهد العثماني حتى تخرجه منها عام 1931. ثم تحدثت عن شخصيات كان لها أثر في صقل موهبته في نشأته المبكرة . وذكرت أن زمخشري تقلب في وظائف حكومية متنوعة كان أهمها المطبعة الأميرية التي كان يرأسها حينها الأديب محمد سعيد عبد المقصود، وفيها توافرت له الصحف والمجلات والكتب التي ترد من مختلف البلاد العربية. وفيها كان يحضر النادي الثقافي الذي تنظمه المطبعة ويختلف إليه حمزة شحاتة وعبدالسلام عمر وأحمد السباعي وأحمد قنديل. وقالت أبو بشيت: إن زمخشري التقى في المدينةالمنورة التي انتقل إليها للعمل مدرساً بكل من عبد القدوس الأنصاري ومحمد حسين زيدان وضياء الدين رجب. ثم تنقل بعدها للعمل في أرجاء الوطن وكان من محطاته البارزة عمله في إذاعة الرياض وإعداده برنامج الأطفال الذي اشتهر به (بابا طاهر) والذي شجعه لإصدار أول مجلة للأطفال . كما تطرقت للتكريم الذي حظي به في تونس حيث حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1406ه ووسامين من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة. واشتملت ورقة ابو بشيت على حديث عن المضامين الشعرية التي قسمتها إلى مضامين ذاتية ووطنية وقومية، وفي الأولى تغنى زمخشري بالمرأة التي يحبها ويؤمن بدورها في البناء والعمل والمشاركة. وقالت: إنه عبر عن مشاعره وآلامه الذاتية بلغة مطبوعة بطابع الأسى والشجن والقلق والحرمان، وأوردت بعض الأبيات كشاهد على قولها، وعن المضمون الوطني في شعره قالت أبو بشيت: إنه واكب بشعره تطوّر البلاد إلى صورة الوطن الحديث ورصد التطوّر الاجتماعي. وعن المضمون القومي قالت: إنه تشوّق إلى نهوض الأمة العربية وتماسك أجزائها ومواجهتها القوى الأجنبية الطامعة، ولم يكن في تصوره للوحدة العربية منفصلاً عن الوعي الإسلامي. ثم تناولت الصورة الشعرية لدى الشاعر مبينة سلاسة المفردة لديه وتوظيفها لصالح السياق النفسي والجمالي، ولفتت إلى وجود الجانب التجديدي في صوره ومجازاته وتنوع موسيقاه الشعرية. وفي جانب من المداخلات أكّد رئيس النادي الأديب خليل الفزيع على أهمية الورقة مشدداً على ضرورة بذل المزيد من الجهد النقدي تجاه هذا العلم الذي لم يوفّ حقه من الدراسة.