توقفت السيارة استجابة لإشارة المرور الحمراء عند حي الدوحة بالظهران. يد تدق على زجاج النافذة المغلقة على المقعد الخلفي، حيث كانت تجلس سيدة الأعمال د.عائشة المانع والتي كانت منذ سنوات، مديرة الإشراف الاجتماعي بالمنطقة الشرقية. ولج الشك لعائشة حول صاحبة اليد المتطفلة، أهي امرأة أم رجل تخفى بزي النساء متسترا بالنقاب وقفازات اليد. فتحت عائشة النافذة وبادرت المتسولة بالسؤال عن جنسها، فرفعت النقاب كاشفة عن وجهها، كان لدى عائشة الكثير من التساؤلات، وكانت الإجابات حاضرة كأنها معدة سلفا ومحفوظة عن ظهر قلب. الزوج توفي تاركا المتسولة بلا مصدر للعيش الكريم، التسول هو الحل الوحيد لإعالة الأبناء ودفع مصروفات المدرسة، والزى المدرسي، والحقائب، وتحصل ما بين 400 / 800 ريال بالأيام التي تخصصها للتسول، ترددت عائشة قليلا قبل أن يغلبها قلبها وتمنح المتسولة بعض المال. وجود التسول وانتشاره بكثرة في المناطق، يكشف عن قصور بمنهج عمل تلك الجمعيات. وعليها أن تضع قضية التسول بمقدمة أولوياتها، وعليها دعم الأسر الفقيرة بمنهج تنموي يساعد على تنمية الدخل بالعمل الشريف، والجميع له دور للقضاء على مرض التسول. المتسولة غير صادقة حسب معرفتي بالتعليم، إدارات المدارس تضع برامج لصرف الزي المدرسي، والحقائب، وتسديد المصروفات لغير القادرين خاصة اليتامى، وأذكر جيدا الأستاذة مريم الجغيمان، وهي واحدة من الرائدات في هذا الشأن عندما كانت مديرة للابتدائية الخامسة والعشرين. التسول قضية بغاية التعقيد، والكثيرون يقعون في حيرة شديدة ،عندما يستوقفهم متسول يلح بطلب المساعدة، مرددا الكثير من الدعاء، والعبارات التي تدر التعاطف. يكون الإنسان أمام اختيار صعب بالفعل، فالمتسول قد يكون محترف الاستجداء كمهنة مريحة لا تحتاج لكثير من الجهد، وربما يكون فقيرا محتاجا بالفعل، وغالبا ما يرجح الشخص الطيب الاحتمال الثاني، ويمنح المتسول المال حرصا على الثواب، وخشية أن يرد سائلا محتاجا. التفكير السليم لا يوصل دائما للقرار الصحيح، فالمشاعر تلعب دورا حاسما بالكثير من الأحيان، وغالبا ما تكون النتيجة سلبية. هناك مستويان للتعامل مع تلك القضية، الأول الذاتي، ويخضع ذلك للخبرات الشخصية لكل شخص، وأنا هنا أنصح بالتروي قبل منح المتسول مالا، فغالبية المتسولين محترفون تلك المهنة المربحة، وبعضهم يراكم ثروات كبيرة بالفعل، والقصص حول ذلك كثيرة جدا، كما شاهدناها وسمعنا في وسائل الاعلام . وحسب خبرتي فالشخص الفقير بالفعل الذي تدفعه الظروف الصعبة للتسول، لا يجيد طرق الاستجداء المعتادة، وغالبا ما يقف صامتا منتظر المساعدة دون أن يردد الدعاء لكل المارة من حوله، ولا يستخدم القصص المعتادة التي تدور حول الحاجة للطعام، والدواء، أو تكاليف السفر للعودة إلى بلده، أما المحترف فلديه إجابات محفوظة لكل سؤال حيث يجيب بلا تردد أو تفكير. أما المستوى الثاني فهو المجتمعي بمعناه الرسمي والأهلي، فالحكومة ملتزمة بحصر الأسر المحتاجة، وتحديد حاجتها لتجاوز ظروفها وتحسين أوضاعها للأفضل . وبالتالي لا تضطر للتسول للحصول على مال للعيش الكريم، وهذا العمل كفيل بكشف المحترفين بل وعقابهم. أما الجمعيات الأهلية خاصة الخيرية، والتنموية، فلها دور محوري بهذا الشأن، فمجال عملها يشمل قضايا الفقر، والفئات الضعيفة، وهي أقرب للناس من الجهات الرسمية، ووجود التسول وانتشاره بكثرة في المناطق، يكشف عن قصور بمنهج عمل تلك الجمعيات. وعليها أن تضع قضية التسول بمقدمة أولوياتها، وعليها دعم الأسر الفقيرة بمنهج تنموي يساعد على تنمية الدخل بالعمل الشريف، والجميع له دور للقضاء على مرض التسول. [email protected]