اهمية زيارة سمو ولي العهد ووزير الدفاع الامير سلمان بن عبدالعزيز لتركيا تكمن في التوقيت حيث تمر منطقة الشرق الاوسط بأخطر ازمة انسانية وسياسية وهي الازمة السورية والتى اصبحت تهدد استقرار دول المنطقة بأكملها كما تكمن اهمية الزيارة بأن الأمير سلمان وزير للدفاع في وقت تتنامى فيه العلاقات العسكرية الثنائية بشكل مطرد. تكمن أهمية العلاقات السعودية التركية نظرا للاعتبارات الدينية والتاريخية والمصير المشترك وتدعم ذلك قوة اقتصاد البلدين باعتبارهما ضمن مجموعة الدول العشرين ودورهما السياسي المؤثر في إدارة التوازنات الإقليمية وشبكة العلاقات التي يقيمانها على المستويين الإقليمي والدولي ولان أولوية البلدين هي الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار وخاصة في الشرق الأوسط. وقد اكتسبت العلاقات في العقد الأخير (2003-2013) زخما كبيرا نتج عنه مستوى ممتاز من التوافق والتناغم في سياستهما الخارجية وعزز ذلك وجود ثقة متبادلة بين قيادتي الدولتين مما تمخض عنها تزايد التعاون والتنسيق في تناول القضايا الإقليمية والإسهام في الجهود الدبلوماسية الرامية للمساعدة في دعم القضية الفلسطينية ورفض الاستيطان الاسرائيلي وتعزيز الاستقرار في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان ،كما تتعاون المملكة وتركيا فيما يخص عبر الأممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي حيث تعد آلية التشاور الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي الأولى من نوعها التي تقرها دول المجلس مع دولة خارجية وكل هذا جاء نتيجة توفر وعي وإرادة مشتركة لدى النخبة السياسية في البلدين لتوسيع هذه العلاقات وتطويرها في شتى المجالات وصولا الى مستوى العلاقات الاستراتيجية. ومنذ انتخابات نوفمبر 2002م وتولي حزب العدالة والتنمية السلطة كان واضحا توجه القادة الجدد الى تغيير اولويات السياسة الخارجية التركية والتي اتجهت لتعزيز علاقاتها أكثر مع محيطها العربي والاسلامى ومساندة الفلسطينيين وخفضت بشكل واضح علاقاتها مع إسرائيل وابتعدت عن الاتحاد الأوروبي ، وظهرت في تركيا نخبة سياسية جديدة تفهم منطقه الشرق الاوسط بصورة اكبر من سابقتها بعيدا عن أي تشدد قومي مما كان له أهمية كبيرة للمملكة وساعدت الخلفية الإسلامية لمعظم كوادر وقيادات الحزب لتؤكد ان تحرك تركيا تجاه جيرانها العرب خيار استراتيجي وليس تكتيكيا وتلا هذه التطورات الداخلية التركية الهامة الاحتلال الأمريكي لافغانستان ثم العراق وسقوط نظام الرئيس صدام حسين (ابريل 2003م )وتزايد نفوذ إيران في العراق وزيادة المخاطر على البلدين مما جعل الفهم الواضح للتحديات والتهديدات التي تحيط بالبلدين توحد وتصلب الإرادة وتذلل أي عقبات تحول دون العلاقات الإستراتيجية. وعلى الجانب المحلي السعودي مثل وصول الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحكم في اغسطس 2005 فرصة اضافية لتحسين العلاقات وتطابقت دعوة الملك عبدالله إلى الحوار بين الأديان مع وجهة النظر التركية بهذا الشأن . كما مثلت زيارتا الملك عبدالله لتركيا خلال شهر أغسطس 2006 م واكتوبر 2007م نقلة إستراتيجية في تاريخ العلاقات وجاءت نتائج زيارة مشجعة بما يعزز أهداف البلدين في تكوين شراكة اقتصادية وتحالفات استثمارية مبنية على رؤى ومصالح متبادلة ومشتركة فعلاوة على مذكرة التفاهم السياسية تم التوقيع على خمس اتفاقيات ثنائية تعبر عن المرحلة الجديدة في علاقات البلدين وتدعم العلاقات الثنائية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. تلاقي الرؤى الفكرية والإيديولوجية في أهمية تعزيز العمل الإسلامي يمكن القول ان الإسلام اصبح يمثل مكونا فكريا مهما لكلا النظامين الحاكمين وهو بالنسبة للسعودية متغير ثابت ومتغير جديد في السياسة التركية فالنهج الاسلامي يمثل مفهوما شاملا يحكم السياسة الداخلية والخارجية للمملكة وهي تعتمد الإسلام عقيدة ومنهجا الأمر الذي جعل البعد الاسلامي ركنا راسخا في السياسة الخارجية السعودية. وما حدث لتركيا هو ان اصبح الاسلام متغيرا جديدا خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية حيث ان الرؤية تؤكد على ان إعادة انتماء تركيا لهويتها الإسلامية لا يتعارض مع هويتها الوطنية كما انه يمكن الجمع بنجاح ما بين فضيلة الحضارة الإسلامية وعقلانية وتطور الغرب وهذا يفسر تنامي التقارب والتغير الأخير نحو السعودية وهذا امر مرحب به. ولعل مما زاد التقارب السعودي والعربي - التركي هو قناعه النخب التركية ان العوامل الدينية والخلفيات التاريخية هي الأكثر حسما من العوامل الاقتصادية والسياسية في تحديد موقف دول المجموعة الأوروبية من طلب تركيا الحصول على عضوية كاملة بالاتحاد الأوروبي وهذا ما حصل بعد ضم دول مثل قبرص وبلغاريا ورومانيا ، ولذا يتضح تأثير البعد الإسلامي في السياسة الخارجية للبلدين وهما يحاولان تقديم نموذجين للإسلام المعتدل. العلاقات السعودية التركية أثناء وبعد الربيع العربي يمكن القول ان هناك تشابها بين وجهتي النظر السعودية والتركية تجاه الاحداث في الدول العربية ابتداء من تونس فمصر فليبيا واليمن واخيرا حول الازمة السورية، حيث اظهرت الازمة السورية تطابقا في المواقف تجاه الملف السوري خاصة من حيث رفع وتيرة التنسيق للضغط على النظام السوري لوقف إراقة مزيد من الدماء عبر وقف فوري لإطلاق النار على المتظاهرين وإطلاق سراح الموقوفين ومن ثم إقناع النظام السوري لإجراء عملية إصلاحات واقعية وسريعة وجادة للاستجابة للمطالب الشعبية. ويلاحظ ان هناك شبه تطابق بين وجهتي النظر السعودية والتركية تجاه النظام السوري حيث تزامنت كلمة خادم الحرمين الشريفين (اغسطس 2011) مع كلمة مشابهة تقريبا للرئيس التركي تضمنت نفس المفاهيم وحدة الموقف ودرجة وضوح الرسالة تجاه النظام السوري. التعاون السعودي التركي في العراق يحمل الملف العراقي الكثير من جوانب الانسجام والتطابق والالتقاء بين البلدين لكونهما معنيين بمحاولة الحد من النفوذ الإيراني ، كما يخشى البلدان ضعف السلطة المركزية في بغداد أو تقسيم العراق لكون ذلك يخل بتوازن القوى الإقليمي ويمثل تهديدا مباشرا وصريحا للأمن الوطني لكلا البلدين. رؤية مستقبلية تمثل الظروف المحلية في المملكة وتركيا وكذلك الإقليمية والدولية فرصة تاريخية لتحقيق مصالحهما في الظروف الحالية وقيادة العالم الاسلامي في ظل التوافق في الرؤية المستقبلية والأهداف المشتركة للدولتين ووفق المنظور الإستراتيجي لهما فإنها تساعد على تحقيق جزء من حلُم الاستقرار في المنطقة. هناك حاجة ملحة لبناء علاقات ذات أبعاد إستراتيجية تخدم النهج الجديد للسياستين الخارجية السعودية والتركية وتسهم في بناء علاقات دولية ناجحة ويدعم ذلك تطابق وجهتي النظر بين البلدين في مجمل القضايا على الساحة العربية والإسلامية والدولية وبخاصة ما يتعلق منها بمكافحة الإرهاب والدعوة لحوار الحضارات واحترام العقيدة وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.