يستطيع المار في شارع 15 بحي الثقبة في الخبر، أن يشتم رائحة المعاناة والألم، تفوح رائحتها من منزل صغير، خال من الرجال، إذ يسكنه 10 نساء، تحتفظ كل منهن بمأساة خاصة بها، تقلب حياتها رأساً على عقب، فبينهن مصابة ب»الزهايمر»، وهناك مطلقتان، وأرملتان، ومريضات، بخلاف يتيمات منتشرات في زوايا المنزل، ويبحثن جميعاً عن أمل في «الغد»، يزيل عنهن هموم «اليوم». النساء العشر يعشن في منزلهن الخالي من الرجال انفصام الشخصية بكلمات متثاقلة، تقطر ألماً، تتحدث فاطمة الخالدي: «يعيش في هذا البيت، 10 نساء، وليس بيننا رجل، يحمينا، ويهتم بشؤوننا»، موضحة «النسوة هن والدتي العجوز الطاعنة في السن، وهي تعاني مرض الزهايمر، بعد بلوغها 85 عاماً، إضافة إلى أختين؛ الكبرى منهما تبلغ 54 عاماً، وتشكو من مرض نفسي، إذ تعاني انفصاما في الشخصية منذ ما يقارب العام، أما الأخرى فهي أرملة وتبلغ من العمر 53 عاماً، ولديها ابنتان، بالإضافة إلى ابنة أختي، التي فقدت أباها، وهي طفلة صغيرة»، مضيفة «كما تعيش معنا أرملة أخي، وابنتيها، اللائي توفي عنهن أخي قبل 14 عاماً، وانتقلن للعيش معنا، لعدم وجود عائل لهن». مرض السرطان وتضيف الخالدي: «هذا البيت، ورثناه عن أجدادنا، وهو واقع في حي الثقبة، تحديداً في مدينة الخبر»، مضيفة «لا يوجد بيننا رجل عائل، أو شخص يمكنه أن يدير شئوننا، ويساعدنا في مواجهة صعوبات الحياة»، موضحة «توفي آخر إخوتي، الذي كان يعيش بيننا، قبل عشر سنوات، بعد إصابته بالسرطان، وترك وراءه بنتا، أصبح عمرها حالياً 18 عاماً». قلة الدخل وتتابع الخالدي تفاصيل مأساتها «تصرف لنا جميعا، إعانة شهرية ثابتة، قدرها 1600 ريال، من قبل الضمان الاجتماعي»، مؤكدة «معاناتنا لا تقتصر على الفقر، وقلة الدخل، ولكن تزيد أختنا المريضة نفسياً، والتي تحتاج رعاية طبية شاملة، وعلاجاً مكثفاً، من أجل إعادة تأهيلها صحياً»، موضحة «استفسرنا عن كيفية العلاج، ، وتقدمنا إلى أكثر من مستشفى عام وخاص ولكن دون فائدة». 100 ألف وتضيف الخالدي «أعطانا أحد المستشفيات الخاصة الواقعة في مدينة الخبر، أملاً كبيراً في شفائها من مرضها، بعد أن تابع حالتها أحد الأطباء، ولكن إدارة المستشفى اشترطت توفير مبلغ 100 ألف ريال، كي يتم علاجها وتأهيلها»، مشيرة إلى عدم امتلاك مبلغ مماثل. البحث والتحري وتحكي أختها دليلة الخالدي (50 عاماً)، مأساتها الخاصة، «وضعي يختلف عن بقية إخوتي، حيث فقدت أبنائي الأربعة، عندما اختفوا منذ أكثر من 20 عاماً، وتحديداً في أزمة الخليج، في العام 1990م، بعدما أخذهم والدهم معه، ولم يخبرني أين سيذهب، ومنذ ذلك الوقت لم يعد بهم». وتضيف دليلة «تقدمت ببلاغ لدى الجهات المعنية، وتم تحويل المعاملة إلى هيئة الادعاء والتمييز، من أجل البحث والتحري عنهم، ولكن مرت هذه السنوات، دون معرفة أي معلومة عنهم»، متسائلة «لا أعلم هل ما زالوا على قيد الحياة أم رحلوا عن هذه الدنيا؟». وتناشد دليلة « آمل من هيئة حقوق الإنسان، تبني قضيتي بالبحث عن أبنائي، الذين صاروا رجالاً، إذا ما كانوا على قيد الحياة».
«حقوق الإنسان»: مستعدون لتبني قضية دليلة للعثور على أبنائها أبدت هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية استعدادها لتبني قضية «دليلة» ومساعدتها في العثور على أبنائها الأربعة، الذين فقدتهم قبل عقدين من الزمن. ووضح إبراهيم عسيري مدير الهيئة بقوله : «نحن في الهيئة، لدينا الاستعداد التام لمثل هذه القضايا، من خلال البحث عنهم والتحري عن أماكن تواجدهم، عبر الأنظمة والقوانين المتبعة لدينا»، مضيفاً «ولكن قبل كل ذلك، يجب على المواطنة «دليلة» أن تتقدم بطلب لمكتب الهيئة، تفيد مفصلة فيه حكاية اختفاء أبنائها، وتمدنا بجميع ما يثبت من أرواق وأدلة، للتأكد من صحة كلامها، ومن ثم يتم دراسة القضية من قبل المختصين في الهيئة، بمثل هذه القضايا، من أجل التأكد من جميع المعلومات، ومن ثم يتسنى للهيئة أن تتبنى القضية بشكل رسمي». وأضاف عسيري أن «القضايا التي تشابه قضية الأم دليلة، ترد إلى الهيئة، ويتم دراستها أولا دارسة كاملة، من حيث مجرياتها، خاصة إذا كانت إحدى الجهات طرفا في القضية»، مضيفاً «وبحسب كلام الأم، فإنها تؤكد تقدمها بشكوى لدى هيئة التحقيق والادعاء، تطلب فيه ضرورة العثور على أبنائها. وأكد عسيري أن «هيئة حقوق الإنسان، في المنطقة الشرقية لديها الاستعداد التام لحل كثير من القضايا، ولكن ينبغي على الأطراف في أي قضية، أن يثبتوا صحة شكواهم، حتى يمكننا أن نطالب بحقوقهم المسلوبة، وإعادته لهم». ومن جانبه، علق الدكتور نواف العتيبي (طبيب أمراض نفسية) على حالة «مرزوقة» الذي يعاني من مرض انفصام الشخصية بقوله «الذين يعانون أمراضا نفسية، هم نوعان، أمراض عصبية وأخرى ذهنية»، مضيفاً «الذين يعانون من الأمراض العصبية، تظهر عليهم علامات معروفة، مثل الاكتئاب والوسواس والرهبة والخوف، وهذه الأنواع تمثل أغلب الأمراض المنتشرة لدينا في المجتمع، أما المصابون بالأمراض الذهنية، فهم يعرفون بأنهم يعانون انفصاما ذهنيا، بالإضافة إلى توهم بالمرض»، موضحاً «هذا النوع يشعر المريض حال إصابته به أنه منفصل عن الواقع، وتظهر عليه علامات في حياته، إذ يعتقد أنه قادر على سماع أشياء، غير موجودة حقيقة وعلى أرض الواقع، وإنما يتخيلها فقط، ويشعر أنها حقيقة ماثلة أمامه».وبين العتيبي أن «المريضة «مرزوقة» أعتقد أنها مصابة بمرض ذهني، قد يكون السبب الرئيسي في معاناتها، وهو نتيجة مباشرة للحالة الصعبة التي تعيشها أسرتها، ومن أهمها، فقد الزوج والشعور بعدم تحمل تربية الأبناء والوحدة والمستقبل غير محدد الملامح».