يُفترض أن تكون جلسات (وناسة) صورة من صور التحديث لأغاني السمر البحرية. فهي استعارة فنية للمحيط الطبيعي. الأمر الذي يستلزم الحفاظ على روح ذلك الطقس. أما استنساخ شكل المسرح البحري والعبث به وفق ضرورات الأستوديو وبرستيج المطربين، ومتطلبات الفضائيات، فهو لا يخدم الحفلة، بقدر ما يسقطها في التقليد والافتعال حد الابتذال. حيث يمكن تفهُّم أناقة المطربين والعازفين والراقصين، كما يمكن تقبّل فخامة الأستوديو المبالغ فيه وعموم الفضاء الذي يضم جميع الكادر. ولكن ما لا يمكن استساغته هو ذلك الافتعال المعبر عنه بحالة من التمثيل الرديء. فالراقصون يتبارون في سرقة الكاميرا بحركات استعراضية لا تنم عن اللياقة البدنية والنشوة العفوية، التي تتوفر في راقصي الأغنية البحرية، ولا تدل على التفاعل الحسّي مع الأغاني، لأن غرض الراقص هنا هو الاستعراض وتمثيل دور المنتشي الذي يقترب من الدوخان، تماماً كما يحدث في الأغاني البحرية الأصيلة، وهو أداء سطحي مقلد يمكن اكتشافه بسهولة. على الرغم من اختيار الأغاني التطريبية، التي يؤديها فصيل من المطربات والمطربين القادرين بالفعل على الإبهاج والتطريب، إلا أن الطقس يظل ناقصاً، إذ لا نسمع الصيحات الصوتية العالية المعتادة في مثل هذا اللون من الغناء، ولا تبعث فينا تلك الوصلات الغنائية أي شكل من أشكال النشاط العضلي، ولا ترفع عندنا منسوب الانفعال والحنان. أما الفتيات المترنحات على خلفية الأغاني فلا تربطهن بجو الحفلة إلا التقاطات الكاميرا المقصودة، فهن أقرب إلى الديكور منهن إلى الاشتراك الفعلي في توليد البهجة. والسبب يعود أيضاً إلى انفصالهن عن جو الأغاني ومفرداتها، لأن الطقس كله قد خضع للتدبير الكفيل بإخراج صورة أنيقة أقرب إلى المحاكاة منها إلى الفرح الحقيقي النابع من القلب. وعلى الرغم من اختيار الأغاني التطريبية، التي يؤديها فصيل من المطربات والمطربين القادرين بالفعل على الإبهاج والتطريب، إلا أن الطقس يظل ناقصاً، إذ لا نسمع الصيحات الصوتية العالية المعتادة في مثل هذا اللون من الغناء، ولا تبعث فينا تلك الوصلات الغنائية أي شكل من أشكال النشاط العضلي، ولا ترفع عندنا منسوب الانفعال والحنان، بمعنى أننا لا نصاب بعدوى الفرح. الأغنية البحرية منشط بيولوجي، هدفها إطلاق الطاقة عند المؤدي والمتلقي. حيث تظهر على المغني والمستمع أعراض التنشيط الجسمي من خلال التصفيق والتصفير والتأوهات والصيحات والصراخ وضرب الأرض، والتنويع في تحريك أجزاء الجسم بشكل يبعث على الحيوية والنشاط. أما ما يؤدى في (وناسة) فلا يعدو كونه حالة من الاسترخاء، أي استنساخ الشكل العام لتلك النوبة الغنائية وإعادة إنتاجها في قالب جمالي بارد، لا روح فيه ولا حياة. هناك فروقات كثيرة ما بين الأصل والتقليد، فصوت المغني في الأغنية البحرية يميل إلى البدائية، كما أن الراقص يتميز بالذكورية العالية. وما يؤديه ليس مجرد لوحات استعراضية إنما هو تعبير عن حياة أو طقس اجتماعي عملي كامل، حيث يعكس بحركاته طرق الصيد ومواجهة أهوال البحر، وهو ما ينعكس في النوبات الهستيرية التي تضفي على الطقس شيئاً من السحر والجاذبية. أما ما تعرضه (وناسة) فهو أصوات مصفاة وخالية من الأنين، كما أن أجساد الراقصين على درجة من الرخاوة، حتى رد فعل الجمهور، وتعاطف المتلقين لا يبدو عفوياً، بل مفروضاً وفق متطلبات الإنتاج التلفزيوني، فمهارات السرور العفوية شبه غائبة، وعلامات التوحد ما بين المغني والجمهور مرتبة بموجب إيقاع مدروس، إلا ما ندر، فكل من يتواجد في الأستوديو يخضع بشكل أو بآخر لأوامر المخرج، وليس لما يمليه عليه إحساسه. ولا شك أن ترتيب جلسات (وناسة) على هذا المستوى من الإتقان في توزيع الصوت، وحضور الآلات الموسيقية الحديثة، وإلباس الكورس والراقصين منظومة من الأزياء الأنيقة، يكفل للعرض الكثير من الرصانة والحرفية، ويجلب بالتأكيد بعض الوناسة، ولكنه لا يحقق المعادلة الفنية القائمة على ذخيرة درامية أصيلة عند المغني والمتلقي، المتأتية من هوى مشبوب، أي من ضربات داخلية ومن إيقاع تحت شعوري. [email protected]