استطاع النوبي الشاب كرم مراد أن يلهب حماسة جمهور مركز الحرية للإبداع الفني في الإسكندرية، في حفلة استقطبت جمهوراً حاشداً من الشباب المصري والسوداني، الذين حضروا للاستمتاع بالطرب الأصيل والإيقاعات النوبية النابضة بالحيوية. ويتمتع مراد بصوت عذب مشحون بحس مرهف وجرس يتناغم فيه التطريب الأسواني والإيقاع الصعيدي والرصانة النوبية، وقدمّ مجموعة من أشهر أغانيه منها «النيل بيتمشى»، «لون يا لون»، «ريحة خبيز أمي»، «ماريا عروسة النيل»، «أسمر شيرتو»، وأغان من التراث النوبي مثل «الشمندورة» و»سيه سيه» و»القمربوبا اكاناليه» وغيرها. وكان تجاوب الجمهور الذي تفاعل رقصاً وتصفيقاً في أوجه، مستحسناً الأغاني ذات السلم الخماسي والسلم السداسي، لسهولة لحنها وإيقاعاتها الراقصة، إضافة إلى خفة دم المطرب الشاب الذي جذب الحضور برقصاته السودانية المميزة التي أداها أثناء الغناء، ما دعا العديد من الفتيات والشباب لتقليده على إيقاعات الموسيقى الحية. عكست الأغاني التي قدمها مراد الكثير من شؤون المجتمع النوبي وشجونه بخصوصيته المتفردة، وصاغت كلماته توهج مشاعر الجنوب وفضاءاته الشاسعة. ويقول مراد ل «الحياة»: لدى النوبيين ثلاث لغات هي ألآن، الرطان، النوبي. والشعب النوبي من أكثر الشعوب حفاظاً على موسيقاه الأصيلة وعاداته وتقاليده. والنوبيّون شغوفون بالفنون، فنرى الرسوم تملأ منازلهم، اضافة إلى حبهم للغناء والرقص ومصاحبتهم للغناء بالآت الدفوف والطنبورة». ويضيف: «ولدت في منطقة توشكى، وسط مجتمع غنائي بحت يصاحب الغناء طقوسه في الفرح والحزن. فالطفل منذ مولده يستمع إلى الأغاني عندما يقام له «السبور» على شاطئ النيل، وهو طقس مأخوذ من الموروث الفرعوني، ويتضمن غسل وجه الطفل بماء النيل للتبرك، على وقع أغان. وحين يشب الطفل ويلعب يكون لكل لعبة غناؤها الخاص». يقدم مراد توليفة مدهشة من الغناء الذي يمتزج فيه النوبي والصعيدي ولكن بلكنة سودانية، ما يشكل لوناً جديداً من الغناء. ويقول: «الغناء النوبي جزء من التراث المصري الأصيل ويحمل في تكوينه تجربة إنسانية حية، لكنها معزولة في مناطقها الأصلية، وأحلم بأن يصل إلى مسامع الناس العادية ويحفظوه كأغنية عالمية حتى إذا لم يفهموا الكلمات». ويوضح: «عمي الفنان النوبي العالمي حمزة علاء الدين كان أول مغنٍ من الشرق الأوسط يغني على مسرح الأممالمتحدة بعد مؤتمر باندونغ للسلام في ستينات القرن الماضي. كما كتب الموسيقى التصويرية لثلاثة أفلام عالمية في هوليوود، وتعلمت منه الغناء والعزف على الآلات الموسيقية المختلفة». يحب مراد موسيقى الراي، لأنها متعانقة ومتصلة مع الموسيقى النوبية بشكل أو آخر، كونها تعود إلى قبائل الأمازيغ في جنوب المغرب، وموسيقى الجنوب في أي مكان تتشابه وتلتقي. ولفت إلى أن المجتمع الغربي يتقبل الموسيقى النوبية أكثر من المجتمع الشرقي ويعتبرها الجزء الناطق من الحضارة الفرعونية. ويرى «أننا الآن أحوج ما نكون إلى أن نُبرز الغناء النوبي لمدّ الجسور بيننا وبين إفريقيا وبيننا وبين أنفسنا، لأن النوبة وتراثها جزء أصيل من التراث المصري». يخطو مراد بثقة نحو العالمية، إذ قدم أعمالاً مع عدد من أشهر المطربين العالميين مثل الإيطالي بينو دانيال، كما غنى في أشهر المسارح العالمية مثل كينيدي سنتر في واشنطن. ومثّل مصر في العديد من المهرجانات الموسيقية الدولية في ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وكرواتيا.