ما الذي يمكننا تصوره لو غابت تقنية اليوتيوب كثيراً عن الشبكة العنكبوتية؟ وما الذي يمكننا أن نتصوره ونرصده في عالم التوثيق الاجتماعي والفني والتربوي والترفيهي في أجواء هذا الفيديو الشعبي المفتوح بكل ما تعنيه الكلمة؟ في موقع يوتيوب أغنية شعبية يؤديها الفنان راشد الماجد، وهي صوت : مر ظبي سباني، وقد بلغ عدد المشاهدات لها 27694، وهذا العدد لو قارناه بمشاهدات أخرى لنفس الصوت في أداء الفنان محمود الكويتي لرأينا أن عدد المشاهدات وصل إلى 5480 مشاهدة. صحيح أنها كانت قطيعة طويلة للأغنية الشعبية على المستوى الرسمي لأكثر من عقدين من الزمان، وهذه القطيعة المتعمدة أثرت تأثيراً كبيراً في تغيير الذائقة الفنية للأجيال التي نشأت مع صعود التيارات الدينية والصحوة الإسلامية منذ بداية الثمانينيات الميلادية، وأثرت كذلك في بعث روح التشدد وطمس قيم الجمال الإنساني، لكن الزمان هو الكفيل بإنصاف الأغنية الشعبية. وهذه المفارقة تدلنا دلالة كبيرة على أن الأغنية الشعبية لها حضورها ومتابعوها، ولكن بشرط وهو أن يقدمها فنان له حضور جماهيري كبير، وهذا ما تحقق مع راشد الماجد. إذا مهما بالغ الإعلام الرسمي أو الخاص في تهميش أو إبعاد الأغنية الشعبية إلا أنه لن يستطيع ذلك، والسبب أن الأغنية الشعبية وجدت لنفسها مساراً جديداً وهو مسار الظهور من خلال المواقع في الانترنت، ومن خلال الهواتف والألواح الرقمية المعاصرة. ولذلك فليس إبعاد الاعلام الرسمي للأغنية الشعبية هو نتاج طلب ورغبة جماهيرية، بل على العكس تماماً، فإن الجمهور يتعطش ويتابع ويخزن كثيراً من الأغاني الشعبية في الحواسيب والهواتف الذكية، لكن النمط السائد في الساحة الفنية هو النمط التجاري الاستهلاكي الذي له شركاته وتجاره ومسوقوه، وهؤلاء لا يمثل الفن الشعبي لديهم أي أهمية تذكر، خاصة أنهم لهم أساليبهم وطرقهم في صناعة الأغنية الجديدة القائمة على الايقاعات السريعة، والكلمات المتداولة على الألسنة، وتوليفها توليفاً بصرياً مصحوباً بأجساد نسائية راقصة تساعد على جلب المتابعين والمستهلكين من فئات المجتمع وخصوصاً الشباب والشابات. يحمد للإنترنت هذه النقلة المذهلة في إعادة الموروث الفني والغنائي الشعبي، ولو تأخر الإنترنت لتأخرت العودة للأغنية الشعبية التراثية، صحيح أنها كانت قطيعة طويلة للأغنية الشعبية على المستوى الرسمي لأكثر من عقدين من الزمان، وهذه القطيعة المتعمدة أثرت تأثيراً كبيراً في تغيير الذائقة الفنية للأجيال التي نشأت مع صعود التيارات الدينية والصحوة الإسلامية منذ بداية الثمانينيات الميلادية، وأثرت كذلك في بعث روح التشدد وطمس قيم الجمال الإنساني، لكن الزمان هو الكفيل بإنصاف الأغنية الشعبية، وبعثها لتجدد مسارها ورسالتها الجمالية والإنسانية، وأرى أن وعياً جديداً يتشكل اليوم - حتى على المستويات الرسمية - يتفهم أن الأغنية الشعبية مصدر هوية ونتاج حضارة يحتاج للتوثيق والتطور والتوظيف في الأغنية الجديدة، والصناعة الثقافية المعاصرة. [email protected]