وصلتني هذا الأسبوع رسالة من أحد القراء، خلاصتها: بناء على مانشر في محليات جريدة اليوم في عدد سابق، ان ثالث أكبر مدن منطقة الأحساء كانت موعودة من قبل أمين المحافظة بإنشاء 500 منحة سكنية، على مساحة 900 ألف متر مربع. غير أن الأمر لم يتم لأسباب ليست واضحة في الرسالة، التي تسهب في شرح معاناة سكان المدينة، الذين يعانون الأمرين جراء عدم توافر برامج إسكان لهم . التضارب بين تصريحات المسؤولين الحكوميين، ومايتحقق على أرض الواقع أمر شائع لدينا، ويبدو أن البيروقراطية المتفشية في جهاز الدولة مسؤولة عن ذلك. وعلى أية حال، يبدو أن جزءا كبيرا من المشكلة يتمثل في حيازة الأراضي الكبيرة المخصصة لبناء المساكن. إذ عادة ماتكون هذه الأراضي مملوكة من قبل جهات حكومية، أو شبه حكومية، أو عقاريين، أو مضاربين، مما يحول دون تنفيذ برامج الإسكان. وهي مشكلة ليست خاصة بمدينة العيون، بل إنها ظاهرة عامة في كافة أنحاء المملكة وهي بحاجة إلى حل جذري. والموضوع على درجة عالية من الأهمية ليس لأن فيه تعطيلاً لحق أساسي من حقوق المواطنين، الذين ينتظرون بفارغ الصبر حصولهم على قطعة أرض يقيمون عليها منازلهم، لكن للموضوع تبعات أخرى تتعلق بصلب مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد. ومن باب العلم بالشيء، كانت حيازة الأراضي البيضاء وما يترتب عليها من امتيازات محركا أساسيا لتطور الدول والمجتمعات إذا ماتم ذلك وفق طرق سليمة. بل إنه لا يمكن فهم تكوّن المجتمعات الصناعية اليوم بدون فهم سياسة تملك الأراضي واستصلاحها. ففي بريطانيا مثلا، ومنذ القرن السابع عشر إلى اليوم، سمح للناس بحيازة أراض شاسعة في الريف الإنجليزي مقابل تشغيلها اقتصاديا من قبل مستأجرين، مما عاد عليهم بالربح الوفير في الزراعة والصناعة ومنها صناعة القطن. وهكذا حلقت بريطانيا في سماء الصناعة والتجارة وأصبحت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس. هذا في غرب الكرة الأرضية، وفي مشرقها كانت ملكية المزرعة أو الأرض الصغيرة من قبل أصحابها وإدارتها من قبل جهاز الدولة البيروقراطي البالغ القوة المحرك الأساس وراء نهضة الصين الحديثة اليوم. يبدو أن جزءا كبيرا من المشكلة يتمثل في حيازة الأراضي الكبيرة المخصصة لبناء المساكن. إذ عادة ماتكون هذه الأراضي مملوكة من قبل جهات حكومية، أو شبه حكومية، أو عقاريين، أو مضاربين، مما يحول دون تنفيذ برامج الإسكان. وهي مشكلة ليست خاصة بمدينة العيون، بل إنها ظاهرة عامة في كافة أنحاء المملكة وهي بحاجة إلى حل جذري.لقد كان لكل الدول المتقدمة في العالم اليوم سياسة واضحة تجاه هذه الأراضي، وهي تختلف من بلد إلى آخر. وقد دخلت هذه البلدان في النهاية عالم الصناعة والاقتصاد والرخاء والسلم الأهلي من باب هذه السياسة. لقد كانت الأرض ( والحديث هنا عن الأراضي الشاسعة القابلة للاستثمار) وملكيتها وسياسة التعامل معها محركا في بناء الدولة والمجتمع. كتب الكثير عن الأراضي البور ( أو البيضاء فالأمر سيان) داخل النطاق العمراني في كافة مناطق المملكة، وهناك دراسات تتحدث عن أن نسبة هذه الأراضي تبلغ 40% ، وهي نسبة عالية جدا. هذه الأراضي تقف حجر عثرة في سبيل التنمية العمرانية فلا هي بالتي ساهمت في التنمية الاقتصادية للبلد عبر استثمارها تجاريا، ولا هي بالتي استثمرت لبناء المساكن. وقد قيل الكثير عن ضرورة فرض ضرائب دورية عليها لإجبار أصحابها على استثمارها. غير أن الأمر برأيي بحاجة إلى استراتيجية أكثر وضوحا حول طرق التغلب على مشاكل هذه الأراضي، فالموضوع برمته متعلق بالتوجه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد. إن ترك هذه الأراضي خالية لعقود من الزمن والمضاربة عليها لتوليد رأس مال ريعي، أمر لايساهم في بناء البلد ويجب الوقوف ضده بحزم. وسط هذا الوضع وبالرغم من الإمكانات الهائلة للتمدد الأفقي العمراني في كافة مناطق المملكة، إضافة إلى ما أسبغه الله على هذه البلاد من انعدام المخاطر الجيولوجية أو المناخية أو بسبب التلوث ، إلا أن ندرة الأراضي وارتفاع أسعارها يوما بيوم أو ساعة بساعة مازال همّا يؤرّق المواطنين. في هذا السياق فإن كافة الأنظار متجهة إلى وزارة الإسكان، الوزارة الفتية للتعامل مع هذا الملف وفق سياسة استراتيجية وطنية واضحة، يكون توفير المسكن المريح، بأسعار في متناول اليد، وعبر فترة زمنية معقولة شغلها الشاغل. المهمة ليست يسيرة بالفعل، ولكن اي تأخير أو مماطلة تحت أي ذريعة كانت سيكون له أثمان باهظة. [email protected]